الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت هذه الآيات الأدلة على إثبات وجود الله تعالى ووحدانيته وقدرته الشاملة، وتتلخص هذه الأدلة بالخلق والإيجاد، والتفرد في دفع الضرر، وجلب النفع والخير، والقدرة على الحشر والنشر، ويتجلى ذلك فيما يأتي:
1 -
إهلاك كفار الأمم الخالية جميعا لإصرارهم على الشرك والوثنية وارتكابهم كبائر المعاصي وعظائم الفواحش.
وقوله: {الْحَمْدُ لِلّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى} تعليم وإرشاد إلى حمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية الذين زرعوا الشرك والمعصية في ديارهم، مما يجب التخلص منهم، وفي هذا عبرة وعظة.
ويؤخذ من ذلك الاستفتاح بالتحميد لله والسلام على الأنبياء والمصطفين من عباده، ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ جيلا عن جيل هذا الأدب، فحمدوا الله وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في فواتح الأمور المفيدة وفي المواعظ والخطب.
2 -
قوله سبحانه: {آللهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ} تبكيت للمشركين وتوبيخ وتهكم على حالهم وضلالهم، لإيثارهم عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى.
3 -
الله تعالى هو خالق السموات والأرض، ومنزل المطر، ومنبت الشجر والزرع والثمر في الحدائق الغنّاء ذات الأنواع والأشكال والألوان المختلفة، والمناظر الجميلة الرائعة الحسن والبهاء، فيكون قطعا هو المستحق للعبادة دون غيره؛ لأنه لا يتهيأ للبشر ولا لغيرهم ولا يتيسر لهم ولا يمكنهم أن يخلقوا شيئا مما ذكر، فهم عجزة عن مثل ذلك.
4 -
قال القرطبي في قوله تعالى: {ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها} :
يستدل به لقول مجاهد على منع تصوير أي شيء، سواء أكان له روح أم لم يكن.
ويعضده
ما رواه مسلم في صحيحة من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبّة، أو ليخلقوا شعيرة» .
وذهب الجمهور إلى أن تصوير ما ليس فيه روح يجوز، كما يجوز الاكتساب به؛ أخرج مسلم أيضا أن ابن عباس قال للذي سأله أن يصنع الصور: إن كنت لا بد فاعلا، فاصنع الشجر وما لا نفس له.
5 -
الله عز وجل هو الذي جعل كرة الأرض اليابسة صالحة للحياة، بجعلها قارّة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها، وزودها بالهواء الذي لا تمكن الحياة بدونه، وجعل فيها الأنهار للسقي، والجبال الثوابت لتمسكها وتمنعها من الحركة، وجعل بين البحرين: العذب والمالح مانعا من قدرته، لئلا يختلط الأجاج بالعذب.
إذا ثبت أنه لا يقدر على هذا غير الله، فلم يعبد المشركون ما لا يضر ولا ينفع؟ ولكن أكثرهم يجهلون الله، فلا يعلمون ما يجب له من الوحدانية.
6 -
الله تعالى وحده مصدر الرحمة الذي يدفع الضرر، فيجيب دعاء المضطر (وهو ذو الضرورة المجهود) ويكشف السوء (الضر) ويجعل الناس خلفاء الأرض أي سكانها جيلا بعد جيل، فيموت قوم وينشئ الله آخرين، أمع الله ويلكم أيها الناس إله؟ ولكنكم تتذكرون تذكرا قليلا نعم الله عليكم، والمراد نفي التذكر، والقلة تستعمل في معنى النفي.
وهذا دليل على أن الله تعالى ضمن إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، لأن التضرع إليه ينشأ عن الإخلاص، وعدم تعلق القلب بسواه، وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمّة، سواء وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو
فاجر، كما قال تعالى:{حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ، وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ، وَفَرِحُوا بِها، جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ، وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ} [يونس 22/ 10] وقوله: {فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت 65/ 29] أي أن الله تعالى أجابهم عند ضرورتهم وإخلاصهم، مع علمه أنهم يعودون إلى شركهم وكفرهم، وقال تعالى:{فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت 65/ 29].
وفي الحديث الصحيح: «ثلاث دعوات مستجابات، لا شكّ فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ لما وجّهه إلى أرض اليمن: «واتق دعوة المظلوم، فليس بينها وبين الله حجاب» .
7 -
الله تعالى وحده مصدر الخير والنفع، فهو الذي يرشد الطريق في ظلمات البر والبحر حال السفر إلى البلاد البعيدة، وهو الذي يرسل الرياح مبشرات قدام المطر، فهل يوجد إله مع الله يفعل ذلك ويعينه عليه؟ تنزه الله عما يشرك به المشركون من دونه.
8 -
الله الذي يقرّ المشركون أنه الخالق الرازق هو الذي يعيد الخلق يوم القيامة إلى الحياة الجديدة؛ لأن من قدر على ابتداء الخلق فهو قادر حتما على الإعادة، وهو أهون عليه، أيوجد إله مع الله يخلق ويرزق ويبدئ الخلق ويعيده؟ فيا أيها المشركون مع الله إلها آخر، قدّموا حجتكم أن لي شريكا، أو حجتكم في أنه صنع أحد شيئا من هذه الأشياء غير الله، إن كنتم صادقين مع أنفسكم في ادعاء أن له شريكا.