الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
نزول الآية (52):
{وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ} : أخرج ابن جرير عن علي بن رفاعة قال: خرج عشرة رهط من أهل الكتاب، منهم رفاعة-يعني أباه-إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فآمنوا فأوذوا، فنزلت:{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ} . وأخرج أيضا عن قتادة قال:
كنا نتحدث أنها نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على الحق، حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فآمنوا به، منهم سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام.
وقال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم:{يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} حتى ختمها، فجعلوا يبكون، وأسلموا
(1)
.
وعلى كل حال، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
المناسبة:
بعد أن أقام الله تعالى الدليل على أن القرآن وحي من عند الله، وعلى صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أكد ذلك بأن جماعات من أهل الكتاب الذين آمنوا بالله وحده قبل نزول القرآن، أسلموا وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، حين اقتنعوا بصدقه وصحة ما أنزل عليه، فكان غير أهل الكتاب أولى بالإيمان أو الإسلام.
التفسير والبيان:
{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} أي إن جماعة من علماء أهل الكتاب الأولياء الأصفياء، من اليهود والنصارى، الذين عاصروا النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، آمنوا بالقرآن، لمطابقته لأصول كتبهم المتقدمة، وبشارة تلك
(1)
تفسير ابن كثير: 393/ 3
الكتب بمحمد وتطابق الأوصاف عليه. فقوله: {مِنْ قَبْلِهِ} أي قبل القرآن.
و {هُمْ بِهِ} أي بالقرآن أو بمحمد صلى الله عليه وسلم أو بهما معا يصدّقون.
وللآية نظائر كثيرة منها: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة 121/ 2]، ومنها:{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ} [آل عمران 199/ 3]، ومنها:{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً، وَيَقُولُونَ: سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً} [الإسراء 107/ 17 - 108].
{وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا: آمَنّا بِهِ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا، إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} أي وإذا قريء عليهم القرآن، قالوا: صدقنا به، وآمنا بأنه الكلام الحق الصدق الثقة من ربّنا، وكنا مصدقين بالله مسلمين له أي موحدين، مخلصين لله، مستجيبين له، من قبل نزول هذا القرآن، أو من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا دليل على قدم إيمانهم، لما وجدوه في كتب الأنبياء عليهم السلام المتقدمين من البشارة بمقدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فمدحهم تعالى بهذا المدح العظيم وقال:
{أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا} أي إن هؤلاء المتصفين بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الأول وهو كتابهم، ثم بالثاني وهو القرآن لهم ثواب مضاعف مرتين، جزاء صبرهم وثباتهم على الإيمانين، فإن تجشم مثل هذا شديد على النفوس، فإنهم لم يأبهوا بإيذاء قومهم.
ونظير الآية: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد 28/ 57]، و
ورد في الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن
بنبيه ثم آمن بي، وعبد مملوك أدّى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت له أمة، فأدّبها، فأحسن تأديبها، ثم أعتقها فتزوجها».
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: إني لتحت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال قولا حسنا جميلا وقال فيما قال:«من أسلم من أهل الكتاب، فله أجره مرتين، وله ما لنا، وعليه ما علينا» .
وبعد أن مدحهم الله تعالى بالإيمان أولا، أثنى عليهم بالطاعات البدنية في قوله:{وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} ثم بالطاعات المالية في قوله:
{وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} ثم باشتغالهم بالطاعات والأفعال والأخلاق الحسنة في قوله: {وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} فقال:
- {وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي يدفعون السيئة بالحسنة، فلا يقابلون السيء بمثله، ولكن يعفون ويصفحون.
- {وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} أي وينفقون من رزق الله الحلال في النفقات الواجبة لأهليهم وأقاربهم، ويؤدون الزكاة المفروضة، والمستحبة من التطوعات وصدقات النفل والقربات.
- {وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقالُوا: لَنا أَعْمالُنا، وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ} أي وإذا سمعوا من المشركين أو غيرهم لغو الكلام وهو الساقط من القول من أذى وتعيير وسبّ وشتم وتكذيب، أعرضوا عن أهله، ولم يخالطوهم ولم يعاشروهم، بل كانوا كما قال تعالى:{وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً} [الفرقان 72/ 25].
وقالوا إذا سفه عليهم سفيه، وكلّمهم بما لا يليق: لنا أعمالنا فنحن المسؤولون عنها ثوابا وعقابا، ولكم أعمالكم عليكم تبعاتها، لا نرد عليكم، سلام عليكم سلام متاركة وتوديع، أو سلمكم الله مما أنتم فيه، لا نريد اتباع طريق