الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطاغيتين، أعقبه بذكر قصص النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع قومه، وإخراجهم أو تهجيرهم إياه من مكة، ثم عوده إليها ظافرا منتصرا، متابعا دعوته إلى عبادة الله وتوحيده.
التفسير والبيان:
يأمر الله رسوله بإبلاغ الرسالة وتلاوة القرآن على الناس، ويخبره بأنه سيرده إلى معاد فقال:
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ} أي إن الله الذي أوجب عليك العمل بالقرآن وافترض عليك أداءه إلى الناس، لرادّك إلى بلدك الحبيب:
مكة فاتحا ظافرا منتصرا، بعد خروجك منها مهاجرا. وكان هذا هو الفتح الأعظم الذي تم به الاستيلاء على معقل الكفر والوثنية، وتحطيم الأصنام المنصوبة حول الكعبة المشرفة.
وهو وعد صادق منجز من الله لرسوله، حينما كان في مكة في طريقه إلى المدينة، فاطمأن لذلك وهدأت نفسه. قال المحققون: وهذا أحد ما يدل على نبوته؛ لأنه أخبر عن الغيب ووقع كما أخبر، فيكون معجزا.
ولما وعد الله تعالى رسوله الرد إلى معاد أمره أن يقول للمشركين (كفار مكة) توبيخا لهم حينما اتهموه بأنه في ضلال القول الآتي:
{قُلْ: رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى، وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي قل أيها الرسول لمن خالفك وكذبك من قومك من المشركين ومن تبعهم على كفرهم: الله تعالى العالم البصير الذي يعلم الغيب والشهادة هو عالم بالمهتدي مني ومنكم، وعالم بالضال ضلالا بينا ظاهرا، وعالم بمن جاء بالهدى-يعني نفسه صلى الله عليه وسلم-وهو القرآن، وبما يستحقه من الثواب في معاده، وإعزازه بالإعادة إلى مكة،
وستعلمون لمن تكون له عاقبة الدار، ولمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة، فينصر المؤمن، ويخذل الكافر.
ثم قال تعالى مذكرا نبيه نعمته العظيمة عليه وعلى الناس إذ أرسله إليهم:
{وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أي وما كنت أيها النبي تظن قبل إنزال الوحي إليك أن الوحي ينزل إليك، وأن القرآن ينزل على قلبك، فتعلم به أخبار الماضين، وتعرف منه دستور الحياة، وتشريع المجتمع الذي فيه سعادتهم ونجاتهم، ولكن إنما أنزل ربك الوحي عليك وألقى عليك الكتاب، رحمة منه بك وبالعباد بسببك.
وبناء عليه كلفه ربه بأمور خمسة هي:
1 -
{فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ} أي فلا تكن معينا للكفار بأي حال، ولكن فارقهم وخالفهم، وكن عونا للمسلمين، والله مؤيدك وحافظك.
2 -
{وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ} أي ولا تلتفت إلى هؤلاء المشركين، ولا تتأثر بهم ولا لمخالفتهم لك، ولا تركن إلى قولهم، فيصدّوك عن اتباع آيات الله المنزلة إليك، وتبليغها للناس، فإن الله معك، ومؤيد دينك، ومظهر ما أرسلك به على سائر الأديان، كما قال تعالى:{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} [المائدة 67/ 5].
3 -
{وَادْعُ إِلى رَبِّكَ} أي وادع إلى عبادة ربك وحده لا شريك له، وبلّغ دينه، وأعلن رسالته دون تردد ولا خوف ولا تمهل. وهذا أمر بالصدع أو الجهر بالدعوة، وفيه تشدد بدعوة الكفار والمشركين، ولكن في مظلة الأمن والسلام، والمهادنة والموادعة.
4 -
{وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي واحذر أن تكون مع الذين أشركوا بربهم، فجعلوا له شريكا وندا، فتكون من الهالكين، لأن من رضي بطريقتهم كان منهم.
وهذا النهي عن مظاهرة المشركين ونحو ذلك من باب إلهاب الحماس، وتهييج العاطفة، وإثارة الغيرة على استقلال دين التوحيد وعبادة الله.
ثم فسر ذلك بقوله:
5 -
{وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} أي ولا تعيد مع الله إلها آخر، ولا تدع في أي عمل من الأعمال إلها غير الله؛ لأنه لا تليق العبادة إلا له، ولا جدوى في الدعاء لغيره، ولا تنبغي الألوهية إلا لعظمته، ولا معبود يستحق العبادة سواه، كما قال:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ، فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمّل 9/ 73] أي فاتخذه وكيلا في أمورك، وهو نعم الوكيل.
وهذا وإن كان واجبا على الكل، إلا أنه تعالى خاطبه به خصوصا لأجل التعظيم.
ثم بيّن الله تعالى صفات الألوهية التي تفرد بها فقال:
أولا- {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ} أي كل من في الوجود فان إلا ذات الله المقدسة، فهو الدائم الباقي، الحي القيوم، الذي يميت الخلائق ولا يموت، كما قال سبحانه:{كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} [الرحمن 26/ 55 - 27]. و
قد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد:
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل»