الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل ذلك مشروط بأدائها بخشوع وخضوع وإخلاص كما ذكر، حتى تكون ذات مدلول وروح، وذات إشعاع تملأ النفس استحضارا لعظمة الله والخوف منه، وإلا كانت مجرد حركات وأفعال مادية فاقدة الأثر المقصود منها. ثم أكد تعالى رفعة شأن الصلاة فقال:{وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ} أي إن الصلاة أكبر من سائر الطاعات، وذكر الله وتفقده الناس العابدين برحمته أكبر من ذكرهم إياه بطاعته، والله عليم بما تصنعون من خير أو شر، وعليم بذات الصدور، يعلم جميع أقوالكم وأفعالكم ونياتكم:{فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى} [طه 7/ 20] وفي ذلك وعد ووعيد، وحث على مراقبة الله في كل الأحوال، فمن يعلم أن الله يسمعه ويراه، لزم الحياء، وخشي العذاب، وأحسن العبادة. ومن أتى بالذكر النافع وهو الحاصل عن علم وتأمل ووعي قلب وتفرغ نفس مما سوى الله، نال المراد، وحقق المبتغى، وأما ما كان مجرد لقلقة باللسان، دون استحضار لعظمة الله وخشوع معه، فلا خير فيه ولا نفع.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
1 -
خلق الله السموات والأرض على وجه الإحكام والإتقان والعدل والقسط، ولأهداف وغايات دينية ودنيوية، منها أن الإنسان يستدل بهما على وجود الخالق القادر الكامل الشامل العلم، الذي لا يعزب عن علمه أجزاء الموجودات فيهما، ولا يعجزه شيء فيهما.
2 -
إن المستفيد من خلق السموات والأرض هو الإنسان، ولا ينتفع في دلالتهما على الاعتقاد بوجود الخالق الواحد إلا المصدقون بالله ورسوله.
3 -
على المسلم مواظبة التلاوة لآي القرآن، وتبليغ أحكامها المستفادة منها، فإن القرآن كتاب هداية، ودستور حياة فاضلة.
4 -
على المؤمن أيضا استدامة إقامة الصلاة: وهو أداؤها في وقتها بقراءتها، وركوعها وسجودها، وقعودها، وتشهدها، وجميع شروطها.
5 -
إن الصلوات الخمس لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة تنهى عن الفواحش والمنكرات، وتكفّر ما بينها من الذنوب إذا أديت بحقها وكانت مع استحضار عظمة الله وبأسه،
أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا» .
وروى أنس بن مالك قال: كان فتى من الأنصار يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدع شيئا من الفواحش والسرقة إلا ركبه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«إن الصلاة ستنهاه» فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألم أقل لكم؟» .
ويؤكده
الحديث المتقدم الذي رواه الطبراني وغيره: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدا، ولم يزدد بها من الله إلا مقتا» .
قال أبو العالية في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ} :
إن الصلاة فيها ثلاث خصال، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة: الإخلاص، والخشية، وذكر الله، فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله: القرآن يأمره وينهاه.
6 -
دل قوله تعالى {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} على أن الصلاة أكبر من سائر الطاعات وأفضل من كل العبادات، وأن ذكر الله لعباده بالثواب والثناء عليهم ورحمته إياهم أكبر من ذكرهم له في عبادتهم وصلواتهم، وكذلك أن تلاوة القرآن وإقامة الصلاة ينبغي أن يكون الإتيان بهما على أبلغ وجوه التعظيم.
روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قول الله عز وجل: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} : «ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه» .
وفي حديث آخر: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم»
(1)
.
7 -
الذكر النافع: هو الذي يكون مع العلم، وإقبال القلب، وتفرغه، إلا من الله، وأما ما لا يتجاوز اللسان فله رتبة أخرى.
وذكر الله تعالى للعبد: هو إفاضة الهدى ونور العلم عليه، وذلك ثمرة لذكر العبد ربه، قال الله عز وجل:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة 152/ 2].
8 -
إن قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ} نوع من الوعد والوعيد، وحث على مراقبة الله تعالى في السرّ والعلن.
آمنت بالله تعالى انتهى الجزء العشرون
(1)
روى الطبراني عن معاذ بن انس حديثا بلفظ: «لا يذكرني عبد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي، ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الملأ الأعلى» .