الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدي الله للسؤال والحساب أذلاء صاغرين، صغار ذل إن كانوا كفارا، وصغار هيبة وخشية إن كانوا مؤمنين، لا يتخلف أحد عن أمر ربه، كما قال:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً} [مريم 93/ 19] وقال: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ، فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء 52/ 17] وقال: {ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم 25/ 30] وقال: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج 43/ 70].
العلامة الثالثة-تسيير الجبال:
{وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ} أي وتنظر إلى الجبال فتراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهي تزول بسرعة عن أماكنها، وتسير كما يسير الغمام بتأثير الرياح، لأن الجسم الكبير إذا تحرك برتابة لا تكاد حركته تبين، كما قال تعالى:{يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً، وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً} [الطور 9/ 52 - 10] وقال: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ، وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً} [الكهف 47/ 18] وقال: {وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً} [النبأ 20/ 78] وقال:
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ: يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً، فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً، لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه 105/ 20 - 107].
وتسير الجبال-وإن دكت عند النفخة الأولى-يحدث بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق، ليشاهدها أهل المحشر، فيبدل الله الأرض غير الأرض والسموات، كما قال تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ، وَبَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} [إبراهيم 48/ 14]. وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على دوران الأرض حول الشمس بسرعة فائقة، لكن الظاهر أن ذلك في الآخرة؛ لأن الكلام هنا عن يوم القيامة.
{صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} أي ذلك الصنع هو فعل الله بقدرته
العظيمة، الذي أحكم كل شيء، وأودع فيه من الحكمة ما أودع.
{إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ} هذا علة النفخ في الصور والبعث للحساب والجزاء، أي إن الله تعالى عليم بما يفعل عباده من خير وشر، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء.
ثم بيّن الله تعالى حال المكلفين السعداء والأشقياء بعد قيام القيامة فقال:
{مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} أي من جاء مؤمنا بالله وحده لا شريك له، عاملا الصالحات، فله على ذلك الثواب الجزيل عند ربه في جنات النعيم، يأمن من الفزع الأكبر، وهو الخوف من عذاب القيامة، كما قال تعالى:{لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء 103/ 21] وقال سبحانه: {أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ} [فصلت 40/ 41] وقال عز وجل: {وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ} [سبأ 37/ 34].
والحسنة: الإيمان والعمل الصالح، وقال ابن عباس والنخعي وقتادة: هي لا إله إلا الله. و {خَيْرٌ} هنا ليس أفعل تفضيل، فليس شيء خيرا من لا إله إلا الله، كما قال عكرمة، وإنما المراد مضاعفة الثواب ودوامه؛ لأن العمل ينقضي، والثواب يدوم، فالخير: الثواب، وقيل: للتفضيل، أي ثواب الله خير من عمل العبد وقوله. و {مَنْ} لابتداء الغاية أي له خير من الخيور، مبدؤه ونشوؤه منها أي من جهة هذه الحسنة. وقد رتب الله على مجيء المكلف بالحسنة شيئين: الثواب والأمن من العذاب.
{وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ، هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي ومن أشرك بالله وارتكب المعاصي، ومن لقي الله مسيئا لا حسنة له، أو قد رجحت سيئاته على حسناته، كل بحسبه، فيلقى في النار، ويقال لهم أي للكفار والعصاة: هل هذا إلا جزاء عملكم في الدنيا من شرك ومعصية؟