الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراحة والقرار بعد عناء التعب في النهار، وخلقنا النهار منيرا مشرقا للتصرف أو التقلب في المعايش والمكاسب والأسفار والتجارات وغيرها من شؤونهم التي يحتاجونها، إن في ذلك الخلق والإيجاد لدلالات على قدرة الله على البعث بعد الموت، للجزاء والحساب، وعلى توحيده، لقوم يصدقون بالله ورسله.
فمن تأمل في تعاقب الليل والنهار والانتقال من حال شبيهة بالموت إلى حال الحركة والحياة، أدرك أن القيامة كائنة لا محالة، وأن الله سيبعث من في القبور.
فقه الحياة أو الأحكام:
إن مفاجات يوم القيامة وأهوالها كثيرة وغريبة ومذهلة، فمن مقدماتها:
إخراج دابة من الأرض عند استحقاق العذاب تخبر بأن أكثر الناس كانوا لا يصدقون بآيات الله.
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض» .
واختلف المفسرون في تعيين هذه الدابة وصفتها ومن أين تخرج اختلافا كثيرا، قال القرطبي: أول الأقوال أنه فصيل ناقة صالح عليه السلام، وهو أصحها-والله أعلم-لما
ذكر أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال: «لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية-يعني مكة-ثم تكمن زمانا طويلا، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك، فيفشو ذكرها في البادية، ويدخل ذكرها القرية -يعني مكة-ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة، خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام، لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب، فارفضّ الناس منها شتّى ومعا..» الحديث.
وموضع الدليل من هذا الحديث أنه الفصيل قوله: «وهي ترغو» والرغاء إنما هو للإبل؛ وذلك أن الفصيل لما قتلت الناقة هرب، فانفتح له حجر، فدخل في جوفه، ثم انطبق عليه، فهو فيه حتى يخرج بإذن الله عز وجل
(1)
.
ثم ذكر الله تعالى بعض الأمور الواقعة بعد قيام القيامة وهو حشر زمرة وجماعة من كل أمة، ممن يكذب بالقرآن وبالأدلة الدالة على الحق، فهم يوزعون أي يدفعون ويساقون إلى موضع الحساب، وقال قتادة: أي يردّ أولهم على آخرهم، حتى إذا حضروا الموقف قال الله: أكذبتم بآياتي التي أنزلتها على رسلي، وبالآيات التي أقمتها دليلا على توحيدي، ولم تعلموا بحقيقتها، وإنما أعرضتم عنها مكذبين جاهلين غير مستدلين؟ ثم يقول لهم تقريعا وتوبيخا: ماذا كنتم تعملون حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا ما فيها.
ولكن وجب العذاب عليهم بظلمهم أي بشركهم، فهم لا ينطقون، أي ليس لهم عذر ولا حجة.
ثم أقام الله تعالى دليلا على البعث والتوحيد والنبوة مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر، وهو خلق الليل للنوم والاستقرار، وخلق النهار المنير المشرق الذي يبصر فيه الناس الأشياء للحركة ونشاط الحياة وسعي الرزق، إن في ذلك لدلالات على قدرة الله وتوحيده وإمكانه الحشر لقوم يؤمنون بالله. أما وجه دلالته على التوحيد فهو أن التقليب من النور إلى الظلمة ومن الظلمة إلى النور بدقة متناهية لا يحصل إلا بقدرة قاهرة عالية. وأما وجه دلالته على الحشر فلأنه لما ثبتت قدرة الله تعالى على هذا التقليب فهو قادر على القلب من الحياة إلى الموت ومن الموت إلى الحياة، وأما وجه دلالته على النبوة فلأنه تعالى يقلب الليل والنهار لمنافع الناس، وفي بعثة الأنبياء والرسل إلى الناس منافع عظيمة، فما المانع من بعثتهم إلى الناس لتحصيل تلك المنافع؟
(1)
تفسير القرطبي: 235/ 13.