الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينبغي، وإذا سألوا عن وقت مجيء القيامة فليس الأمر كذلك، فهم في شك منها {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها} أي فهم في الحقيقة في شك وحيرة عظيمة من حصول القيامة، كمن تحير في أمر لا يجد عليه دليلا {بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ} لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم، وهو جمع عم: وهو أعمى القلب والبصيرة، وهو أبلغ مما قبله.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى أنه المختص بالقدرة التامة الفائقة العامة، أتبعه بما هو أيضا من لوازم الألوهية وهو أنه المختص بعلم الغيب، فثبت أنه هو الإله المعبود؛ لأن الإله هو المتمكن من المجازاة لأهل الثواب والعقاب.
التفسير والبيان:
{قُلْ: لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ} أي قل أيها الرسول لجميع الخلق: لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله.
فقوله: {إِلاَّ اللهُ} استثناء منقطع، أي لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل، فإنه المنفرد بذلك وحده لا شريك له، كما قال:{وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ} [الأنعام 59/ 6] وقال: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان 34/ 31].
روى مسلم وابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما يكون في غد، فقد أعظم الفرية على الله؛ لأن الله يقول:{قُلْ:}
{لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ} .
ولما نفى عنهم علم الغيب على العموم، نفى عنهم علم الغيب المخصوص بوقت الساعة فصار منتفيا مرتين، فقال:
{وَما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ} أي وما يدري أهل السموات والأرض بوقت
الساعة، كما قال تعالى:{ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً} [الأعراف 187/ 7] أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض، فلا يشعر الكفار وغيرهم في أي وقت يكون البعث للحساب والجزاء، وإنما تأتيهم الساعة فجأة.
ثم أكد الله تعالى جهلهم بيوم القيامة فقال:
{بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} أي بل انتهى علمهم بالآخرة، وعجز عن معرفة وقت حدوثها، والمراد: أن ما توصلوا إليه من أدلة إثبات الآخرة تلاشى شيئا فشيئا، حتى لم يعد لها قيمة ذات بال.
ثم وصفهم بالحيرة في الآخرة فقال:
{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها} أي بل الكافرون (أي جنسهم) في حيرة شديدة من تحقق الآخرة ووجودها، أي شاكون في وجودها ووقوعها، كما قال تعالى:
{وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا، لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} [الكهف 48/ 18] أي أن لن نجعل للكافرين منكم:
ثم وصفهم الله بالتعامي عن التفكر والتدبر في أمر الآخرة، فقال:
{بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ} أي بل هم في عماية وجهل كبير في أمرها وشأنها، لا يفكرون فيها في أعماق نفوسهم، فهم عمي البصيرة لا البصر، وهذا أسوأ حالا من الشك.
قال أبو حيان: هذه الإضرابات الثلاثة ما هي إلا تنزيل لأحوالهم، وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه، والإزالة مستطاعة، وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه، فلذلك عدّاه بمن دون «عن»
(1)
.
(1)
التفسير الكبير: 93/ 7.