الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{طسم} بيّنت المراد بهذه الحروف في المفردات.
{تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ} أي هذه آيات من الكتاب الواضح الجلي الكاشف لحقائق أمور الدين، وما كان وما يكون.
{نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي نذكر لك الأمر على ما كان عليه حقا وصدقا كأنك تشاهد، وكأنك حاضر، من أجل قوم يصدقون برسالتك وبما أنزل إليك من ربك، فتطمئن به قلوبهم، كقوله تعالى:
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف 3/ 12].
وقد ذكر الله تعالى في هذه السورة شيئا أو بعضا من قصة موسى وفرعون، للعبرة والعظة، وإقامة الدليل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هذا القرآن العظيم وحي يوحى، وليس من وضع البشر.
وتخصيص المؤمنين بالذكر مع أن القرآن للناس أجمعين للإشارة إلى أن الانتفاع به لا يكون إلا لمن صدق بأنه كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ} أي إن فرعون ملك مصر تجبر في أرضها واستكبر، وبغى وطغى وقهر أهلها.
{وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً} أي جعل أبناء مصر فرقا وأحزابا مختلفة، وسخر كل طائفة في مصالحه العمرانية والزراعية وغير ذلك من أمور دولته، وبذر بينهم بذور الفتنة والعداوة والبغضاء، حتى لا يتفقوا، أخذا بسياسة المستعمر:«فرّق تسد» .
وهذا مضاد لسياسة الإسلام-بالمعنى العام-والهدي الإلهي كله القائم على التأليف والجميع على قلب واحد، وإشاعة روح المحبة والتسامح والود والوئام
والصفاء بين الرعية، وهذا في الواقع هو المبدأ الأمثل الذي يريح الحاكم، ويقوّي الأمة، ويبني أمجادها، ويحقق لها الانتصارات المتلاحقة.
{يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ} أي يجعل جماعة منهم أذلة مقهورين، وهم بنو إسرائيل. ومظاهر الاستضعاف هي:
{يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ} أي يقتل مواليدهم الذكور، ويبقي إناثهم أحياء، إهانة لهم واحتقارا، وخوفا من وجود غلام منهم كان فرعون وأهل مملكته قد تخوفوا من ظهور غلام منهم يكون سبب هلاكهم وذهاب دولتهم على يديه، وذلك لأن الكهنة قالوا له: إن مولودا يولد في بني إسرائيل يذهب ملكك على يديه، أو قال المنجّمون له ذلك، أو رأى رؤيا، فعبّرت كذلك.
قال الزجّاج: العجب من حمقه، لم يدر أن الكاهن إن صدق فالقتل لا ينفع، وإن كذب فلا معنى للقتل.
{إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي في الأرض بالعمل والمعاصي والتجبر، فيقتل بلا ذنب، وينشر الرعب والإرهاب بلا مسوغ، وهذا شأن الظلمة العتاة الذين يستبد القلق والاضطراب في نفوسهم، فيرتكبون مثل هذه الفظائع. ولو شعروا يوما أو أكثر بالطمأنينة والراحة، ونشر عليهم الإيمان أجنحته وظلاله الوادعة، لعاشوا في استقرار وأمان، ولم يعيثوا في الأرض فسادا، ولما احتاجوا إلى مثل هذا العسف والظلم المؤذن بدمارهم.
وبعد أن ذكر تعالى هذه الصفات الخمس الذميمة للعتاة وهي الاستعلاء في الأرض، والاستضعاف، وقتل الأبناء، وإبقاء الإناث، والإفساد، ذكر في مقابلها خصائص خمسا للمستضعفين من بني إسرائيل وهي: إنقاذهم من الظلم، وجعلهم القادة بعد فرعون وقومه، وجعلهم ورثة مصر والشام، وجعل السلطة لهم فيها، وإظهار ما كان يحذره فرعون وهامان وجنودهما من دمارهم وذهاب
ملكهم على يد بني إسرائيل، فقال تعالى:
1 -
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} أي وأردنا التفضل والإنعام على المستضعفين من بني إسرائيل الذين استضعفهم فرعون وأذلهم بتخليصهم من بأسه، وإنقاذهم من ظلمه.
وتساءل الزمخشري بقوله: كيف يجتمع استضعافهم وإرادة الله تعالى المن عليهم، وإذا أراد الله شيئا كان، ولم يتوقف إلى وقت آخر؟ ثم أجاب عنه بأنه لما كانت منة الله عليهم بتخليصهم من فرعون قريبة الوقوع، جعلت إرادة وقوعها كأنها مقارنة لاستضعافهم.
2 -
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} أي ونجعلهم قادة وولاة وحكاما متقدمين في الدين والدنيا.
3 -
{وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ} الذين يرثون ملك فرعون وأرضه وما في يده، كقوله تعالى:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها} [الأعراف 137/ 7] وقوله سبحانه: {كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ} [الشعراء 59/ 26].
4 -
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي نجعل لهم السلطة وإنفاذ الأمر وإطلاق الأيدي في أرض مصر والشام.
5 -
{وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ} أي نجعلهم يبصرون ما كانوا خائفين منه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود من بني إسرائيل. وقد أنفذ الله أمره، وحقق حكمه، بأن جعل دمار فرعون وقومه على يد من رباه وأنشأه على فراشه وفي داره، وعلى سفرته وطعامه بعد أن جعله الله رسولا وأنزل عليه التوراة؛ ليعلم أن رب السموات والأرض هو القاهر الغالب على أمره، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.