الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{وَقالَ فِرْعَوْنُ: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ، ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} أي وقال فرعون الطاغية الجبار ملك مصر: يا أيها القوم، لم أعلم بوجود إله غيري، أي إن إله موسى غير موجود، وإنما أنا الإله، كما قال تعالى في آية أخرى حاكيا عنه:
{فَحَشَرَ فَنادى، فَقالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} [النازعات 23/ 79 - 26]. دعا قومه إلى الاعتراف بألوهيته، فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم، كما قال تعالى:
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ} [الزخرف 54/ 43].
وليس قصده من ادعاء الألوهية كما أبان الرازي
(1)
كونه خالقا السموات والأرض، وإنما وجوب تعظيمه وعبادته، أي عبادة الملك صاحب السلطة والنفوذ المطلق والانقياد التام لأوامره. وهذا من إغراءات الحكم والسلطان، وغرور الملك والعظمة.
{فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ، فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ} أي فاصنع لي يا هامان الوزير آجرّا، تبني لي به قصرا عاليا جدا، شامخا في الفضاء حتى أصعد به وأرتقي إلى السماء، فأشاهد إله موسى الذي يعبده، توهما منه أنه جسم كالأجسام المادية الأخرى. وإني لأعتقد أنه كاذب في قوله: إن هناك ربا آخر غيري، كما في آية أخرى:{وَقالَ فِرْعَوْنُ: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ، أَسْبابَ السَّماواتِ، فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً، وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ} [غافر 36/ 40 - 37].
وقد أراد فرعون بادعاء الألوهية وبناء أعلى صرح في زمانه التلبيس
(1)
تفسيره المعروف بالتفسير الكبير: 253/ 24.
والترويج على الناس، والإظهار لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون. ثم ذكر الله تعالى سبب غروره وعناده فقال:
{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ} أي لقد طغى فرعون وقومه وأتباعه وتجبروا، وأكثروا في الأرض الفساد، واعتقدوا أنه لا قيامة ولا معاد، ولا حساب ولا عقاب، وكل من توهم ذلك هان عليه الطغيان والاستكبار والاستعلاء في الأرض، ولم يعلموا أن الله رقيب عليهم ومجازيهم بما يستحقون، لذا أبان تعالى عقابهم العاجل في الدنيا بعد تهديدهم بعقاب الآخرة فقال:
{فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ، فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمِينَ} أي أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة، فلم يبق منهم أحد، فانظر أيها المتأمل في قدرة الله وعظمته وآياته كيف كان مصير هؤلاء الظالمين الذي ظلموا أنفسهم، وكفروا بربهم، وادعى كبيرهم الألوهية من دون الله.
ثم ذكر الله تعالى ما يوجب مضاعفة عذابهم فقال:
{وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ} أي وجعلنا فرعون وأشراف قومه قادة ضلال في تكذيب الرسل وإنكار وجود الإله الصانع، فلم يكتفوا بضلال أنفسهم، بل قاموا بإضلال غيرهم، فاستحقوا جزاءين: جزاء الضلال والإضلال، ولا أمل لهم في النجاة ونصرة الشفعاء، فهم يوم القيامة لا نصير ولا شفيع لهم ينصرهم من بأس الله ويدفع عنهم عذاب الله، فاجتمع عليهم خزي الدنيا وذل الآخرة، كما قال:
{وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} أي وألزمناهم بصفة دائمة في الدنيا لعنة وخزيا وغضبا على ألسنة المؤمنين والأنبياء المرسلين، كما أنهم يوم القيامة من المطرودين المبعدين عن رحمة الله، كما قال تعالى: