الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجاهلين ولا نحبها ولا نصاحب أهلها، ونؤثر الكلام الطيب، ولا نقابل الكلام القبيح بمثله. ونظير الآية {وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا: سَلاماً} [الفرقان 63/ 25] قال الحسن رحمه الله عن كلمة {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} : هذه الكلمة تحية بين المؤمنين، وعلامة الاحتمال من الجاهلين.
روى محمد بن إسحاق في سيرته: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة، عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه وكلموه وساءلوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا، دعاهم إلى الله تعالى، وتلا عليهم القرآن.
فلما سمعوا القرآن، فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله، وآمنوا به، وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيّبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم، ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم، وصدقتموه فيما قال، ما نعلم ركبا أحمق منكم.
فقالوا لهم: سلام عليكم، لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيرا.
ويقال: إن هؤلاء النفر النصارى من أهل نجران
(1)
.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستدل بالآيات على ما يأتي:
(1)
تفسير ابن كثير: 394/ 3، وهو مروي عن عروة بن الزبير.
1 -
إذا كان الإيمان بالله صحيحا منسجما مع الوحي الثابت الصحيح، سهل التقاء رافدي الإيمان، وتيسر الدمج بين الإيمانين، إن تجرد الإنسان عن العصبية والهوى، والمصلحة الذاتية، والنفع المادي. وهذا ما تحقق لجماعة من أهل الكتاب من بني إسرائيل، آمنوا بالله ربّا واحدا لا شريك له قبل القرآن بمقتضى كتابهم السماوي، ثم آمنوا بالقرآن، لمطابقته مع أصل ذلك الكتاب المتقدم، وهؤلاء كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي، ومن أسلم من علماء النصارى، وهم أربعون رجلا قدموا مع جعفر بن أبي طالب المدينة، اثنان وثلاثون رجلا من الحبشة، وثمانية نفر أقبلوا من الشام، وكانوا أئمة النصارى، منهم بحيرا الراهب وأبرهة والأشرف وعامر وأيمن وإدريس ونافع. وقيل: أكثر من ذلك.
2 -
هؤلاء المؤمنون بالقرآن من أهل الكتاب يضاعف لهم الثواب أو الأجر مرتين: مرة لإيمانهم بكتابهم، ومرة لإيمانهم بالقرآن بسبب صبرهم على الأذى الذي يلقونه من الكفار.
3 -
المؤمن الكامل الإيمان شأنه الاشتغال بمرضاة الله تعالى، فيبادر إلى الطاعات البدنية والمالية، ويتحلى بالخلق الفاضل، وقد وصف الله تعالى هؤلاء المؤمنين من أهل الكتاب بأنهم يقابلون السيئة بالحسنة، أي بالاحتمال والعفو والصفح والكلام الحسن، وهذا من مكارم الأخلاق، وينفقون من أموالهم في الطاعات والقربات، فيحسنون إلى البائسين والمعوزين، وفي ذلك حضّ على الصدقات، ويعرضون عن لغو الكلام، فلا يتكلمون بالكلام القبيح، وإنما ينطقون دائما بالكلام الطيب، فإذا سمعوا ما قال لهم المشركون من الأذى والشتم، أعرضوا عنه، أي لم يشتغلوا به،
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ في حديث أبي ذر المتقدم والمروي أيضا عن معاذ: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» ومن الخلق الحسن: دفع المكروه والأذى، والصبر على الجفا، بالإعراض عنه ولين