الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى الدلائل على كمال قدرته وكمال علمه، وفرع على ذلك القول بإمكان البعث والحشر والنشر، ثم أوضح كون القرآن معجزا، ونبّه بإعجازه على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أردف ما سبق ببيان مقدمات قيام القيامة، وهي إما كالعلامة للقيامة كإخراج دابة الأرض، وإما أن تقع عند قيام القيامة كنفخ الصور.
وإنما أخر تعالى الكلام عن علامات القيامة عن إثبات النبوة، لأن هذه الأشياء لا يمكن معرفتها إلا بقول النبي الصادق.
التفسير والبيان:
{وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ} أي أنه في آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق، واستحقاقهم العذاب الموعود به، وذلك قرب مجيء الساعة، يخرج الله للناس دابة من الأرض تحدثهم أن أكثر الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون.
ولعل تلك الدابة هي إنسان كما قال بعض المفسرين الجدد؛ لوصفها بالكلام؛ ولأن كل ما يدب على الأرض فهو دابة.
وسميت تلك الدابة في الآثار بالجسّاسة، وورد في شأنها أحاديث آحاد، منها
ما رواه مسلم وأهل السنن عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة، ونحن نتذاكر أمر الساعة، فقال: «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى بن مريم عليه السلام، والدجال، وثلاثة
خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن، تسوق أو تحشر الناس، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا».
وأما موضع خروجها فهو:
سئل النبي صلى الله عليه وسلم: من أين تخرج الدابة؟ فقال:
«من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى، يعني المسجد الحرام»
(1)
.
وبعد ذكر العلامة الأولى لقيام الساعة ذكر تعالى العلامة الثانية وهي:
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً، مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا، فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتّى إِذا جاؤُ قالَ: أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً، أَمّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي ويوم نجمع يوم القيامة جماعة من رؤساء كل أمة من الظالمين المكذبين بآيات الله ورسله، ونحبس أولهم على آخرهم، ليجتمعوا في موقف الحشر والحساب، حتى إذا جمعوا ووقفوا بين يدي الله عز وجل للحساب والنقاش، فيقول الله لهم توبيخا وتبكيتا: أكذبتم بآياتي الدالة على لقاء هذا اليوم، غير ناظرين بما يحيطكم علما بحقيقة الآيات، وإذا لم تتأملوا فيها، فبماذا كنتم تشغلون أنفسكم أو تعملون فيها من تصديق أو تكذيب؟! فقوله:{أَمّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بمعنى: بل ماذا كنتم تعملون؟! {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا، فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ} أي وحينئذ يحل العذاب بأولئك المكذبين بآيات الله بسبب ظلمهم، أي تكذيبهم وكفرهم، فيشغلهم عن النطق والاعتذار، كما قال تعالى:{هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} [المرسلات 35/ 77].
ثم ذكر الله تعالى دليل التوحيد والحشر والنبوة، فقال:
{أَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي ألم يعلم هؤلاء المكذبون بآياتنا أنا خلقنا الليل للسكن والنوم
(1)
انظر تفسير ابن كثير: 375/ 3 وما بعدها.