الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه، وهذا كما يسأل العبد في قبره: من ربّك، ومن نبيك، وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأما الكافر فيقول: هاه هاه لا أدري، فلا جواب له يوم القيامة غير السكوت. وفي هذا إثبات النبوات، وإعلان التوحيد، والبراءة عن الآلهة المزعومة من أصنام وغيرها.
{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ، فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ} أي فخفيت عليهم الحجج، وعموا عن أوجه الدفاع عن أنفسهم يوم القيامة، ولم يجدوا بدا من السكوت، ولا يسأل بعضهم بعضا كما يسأل الناس في المشكلات، لما اعتراهم من الدهشة والذهول، ولتساوي الناس جميعا في عمى الأنباء عنهم والعجز عن الجواب، حتى الأنبياء، كما قال تعالى:{يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ، فَيَقُولُ: ماذا أُجِبْتُمْ، قالُوا: لا عِلْمَ لَنا، إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} [المائدة 109/ 5] فما ظنك بهؤلاء الضلال؟! وسميت حججهم أنباء (أخبارا) لأنها أخبار يخبرونها.
وبعد بيان الصورة القاتمة لحال هؤلاء المشركين وتوبيخهم، ذكر الله تعالى حال التائبين ترغيبا في التوبة والبراءة عن الكفر، فقال:
{فَأَمّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} أي فأما الذين تابوا من المشركين، وصدقوا بالله وتوحيده، وأخلصوا العبادة له، وآمنوا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وعملوا الأعمال الصالحة في الدنيا من فرائض وغيرها، فهم ناجون فائزون برضوان الله ونعيمه في الجنة يوم القيامة. وعسى من الله على سبيل التحقق، فإن هذا واقع بفضل الله ومنته لا محالة، وأما من العبد فتوقع وترج أن يفلح ويفوز بما طلب.
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات تنبيها وإنذارا مسبقا، وتوبيخا، وزجرا عن الكفر، كي يتدارك الإنسان أمره في الدنيا، كيلا يفاجأ بالمصير المشؤوم يوم القيامة.
وفيها تفنيد لمزاعم الكفار في شفاعة الآلهة المختلقة، ونصرتها لعابديها في عالم الحساب في الآخرة.
ففي التساؤل الأول تتبدد الآمال، وتزول الرجاءات، وتنقطع الأطماع، فلا يجد العابدون فائدة في نصرة الشركاء وشفاعتهم لهم، ويتبرأ بعضهم من بعض، فالشياطين يتبرءون ممن أطاعهم، والرؤساء يتبرءون ممن قبل منهم، وتقع الكارثة، ويبهت المجرمون الكافرون، كما قال تعالى:{الْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف 67/ 43].
وفي التساؤل الثاني تشتد الحيرة وتسيطر الدهشة، فيستغيث الكفار بآلهتهم التي عبدوها في الدنيا لتنصرهم وتدفع عنهم عذاب يوم القيامة، فلا يجدون جوابا لاستغاثتهم، ولا صدى لدعائهم، ولا ينتفعون أصلا بهم، وودّوا حين رأوا العذاب محدقا بهم لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا إلى الإيمان بالله تعالى والعمل بكتابه وبما جاء به رسوله.
وفي التساؤل الثالث وهو الأمر الحاسم يطلب منهم الجواب عما أجابوا به رسل الله وأنبياءه الكرام لما بلغوهم رسالات ربهم، ولكنهم يسكتون بسبب الحيرة والهول واستيلاء الدهشة عن الجواب، وتخفى عليهم الحجج، فلا يجدون حجة لهم يوم القيامة، ولا يتمكنون من سؤال بعضهم بعضا عن الحجج؛ لأن الله تعالى أدحض حججهم، وأخرس ألسنتهم، إذ كل ما يقولونه باطل محض لا خير فيه.
وفي هذا إثبات التوحيد والنبوة.
وأمام هذه الصورة الكئيبة والحالة المفجعة، فتح الله أمام أولئك المشركين والكفار باب الأمل بالفوز والفلاح وإحراز السعادة، وهو باب التوبة، وطريق أهل الحق والإيمان، وحكم سبحانه أنه بالرغم من سوء حال المشركين الماضية في الدنيا لو تابوا من الشرك، وصدقوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر،