الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصّالِحِينَ} أي وإن الذين صدقوا بالله ورسوله، وعملوا ما أمرهم به ربهم، فأصلحوا نفوسهم، وأدوا فرائضهم، لنحشرنهم في زمرة الصالحين: الأنبياء والأولياء، لا في زمرة الوالدين المشركين، وإن كانا أقرب الناس إليه في الدنيا، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب حبا دينيا.
والسبب في إعادة {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} بيان حال الهادي هنا بعد بيان حال المهتدي قبل ذلك؛ بدليل أنه قال أولا: {لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ} ثم قال ثانيا هنا: {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصّالِحِينَ} والصالحون هم الهداة؛ لأنه مرتبة الأنبياء، ولهذا قال كثير من الأنبياء:{أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ} كما أنه تعالى ذكر أولا حال الضال بقوله: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ} ثم هدد المضل بقوله:
{إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ} فصار البيان المتقدم لقسمين من المكلفين: المهتدي والضال، والبيان المتأخر لقسمين آخرين هما: الهادي والمضل
(1)
.
الموضوع الثاني:
حال المنافقين {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ: آمَنّا بِاللهِ، فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللهِ} أي ويوجد فريق من الناس، هم قوم من المكذبين المنافقين الذين يقولون بألسنتهم: صدقنا بوجود الله ووحدانيته، ولكن لم يثبت الإيمان في قلوبهم، بدليل أنه إذا نزلت بهم محنة وفتنة في الدنيا، فآذاهم المشركون لأجل إيمانهم بالله، اعتقدوا أن هذا من نقمة الله بهم، فارتدوا عن الإسلام، وكان ذلك صارفا لهم عن الإيمان، كما أن عذاب الله صارف المؤمنين عن الكفر.
وهذا كقوله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ، خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ} [الحج 11/ 22].
(1)
تفسير الرازي: 36/ 25.
وهذا دليل على أن التخلي عن الإيمان سهل على المنافق؛ لأنه لم يخالط الإيمان شغاف قلبه، وإنما كان مجرد ترداد على اللسان، لمصالح دنيوية، فإذا تعرض لأدنى أنواع الأذى، ترك الله بنفسه. أما المؤمن الصادق الإيمان فلا يتزحزح عن إيمانه القلبي مهما تعرض لأنواع الأذى، فإن أكره على الردة أمكنه مجاراة المكره باللسان، مع اطمئنان قلبه بالإيمان، فلا يترك الله بحال.
قال الزجاج: ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله.
روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثالثة، وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال» .
ثم تحدث الله تعالى عن انتهازية المنافقين ونفعيتهم فقال:
{وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ: إِنّا كُنّا مَعَكُمْ، أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ} أي ولئن تحقق نصر قريب من ربك يا محمد بالفتح والغنيمة لقال هؤلاء المنافقون: إنا كنا معكم ردءا وإخوانا لكم في الدين، نناصركم على الأعداء، كما أخبر تعالى عنهم في آية أخرى:{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ، فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا: أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ، وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؟} [النساء 141/ 4].
ثم رد الله عليهم وكشف أمرهم متوعدا مبينا لهم أنه لا تخفى عليه أوضاعهم فقال: {أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ} أي أوليس الله بأعلم بما في قلوبهم وما تكنه ضمائرهم من الإيمان والنفاق، وإن أظهروا لكم الموافقة على الإيمان؟ بلى، إن الله عالم بكل شيء، لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى، فيعلم المؤمن الحق والمنافق الكاذب.
ثم ذكر الله تعالى أنهم معرّضون للاختبار فقال: