الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمشركين هذه المقالة، مبينا لهم أنه قد أتم أمر الدعوة، وقد كملت، ولم يبق عليه إلا الاشتغال بعبادة الله وحده لا شريك له، وبحمده وشكره على نعمه العظمى، وبتلاوة القرآن، أي أن مهمة إعلان الدعوة من جانبه انتهت، وبقي عليهم التفكير في الاستجابة لهذه الدعوة، وتدبر آي القرآن التي تكفي في إرشادهم، وأنها إن لم تفدهم فقد أفادته، فسواء قبلتم هذه الدعوة أو أعرضتم عنها، فإني مصرّ عليها، غير مرتاب فيها.
التفسير والبيان:
قل: {إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها} أي قل لهم أيها الرسول: إنما أمرت أن أعبد رب مكة الذي حرمها على الناس، فجعلها شرعا وقدرا حرما آمنا، لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصاد فيها صيد، ولا يعضد شجرها، ولا ينفّر طيرها، ولا يخوّف فيها خائف، يجبى إليها ثمرات الدنيا من كل ناحية.
وخص مكة بالذكر تشريفا لها، لأن أول بيت وضع للعبادة كان فيها، كما قال تعالى:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش 3/ 106 - 4]. وفي هذا توبيخ لأهل مكة على ترك عبادة الله، والاتجاه نحو عبادة الأصنام.
ونظير الآية: {قُلْ: يا أَيُّهَا النّاسُ، إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي، فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ} [يونس 104/ 10].
وقد أبان النبي صلى الله عليه وسلم مظاهر تحريم مكة،
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد
شوكة، ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يختلى خلاها» أي عشبها الرطب.
{وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} أي له تعالى كل شيء خلقا وملكا وتصرفا، دون أي شريك، وهذا من عطف العام على الخاص، أي هو رب هذه البلدة، ورب كل شيء ومليكه، لا إله إلا هو.
{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي وأمرني ربي أن أكون من الموحّدين، المخلصين، المنقادين لأمره، المطيعين له.
{وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ} أي وأمرني ربي أن أتلو القرآن على الناس، وأن أتلوه وحدي ليل نهار، لتتكشف لي أسراره، وأتعرف دائما على أدلة الكون المودعة في آياته، فيزداد إيماني، وتشرق نفسي.
{فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} أي فمن اهتدى إلى الحق والإيمان فإنما يهتدي لأجل نفسه، ومن آمن برسالتي واتبعني فقد رشد، وأمن عذاب ربه.
{وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} أي ومن ضل وأخطأ طريق الحق والإيمان والرشاد، وكذب بدعوتي وبما جاءني من عند الله وهو القرآن، فعليه وزر ضلاله، وإنما أنا من المنذرين المخوفين قومهم عذاب الله، وليس علي إلا الإنذار والتبليغ، وقد أديت المهمة وأبلغتكم ما يوحى إلي، وخلصت من العهدة، وحسابكم على الله، كما قال تعالى:{فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ، وَعَلَيْنَا الْحِسابُ} [الرعد 40/ 13] وقال: {إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود 12/ 11].
{وَقُلِ: الْحَمْدُ لِلّهِ، سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها} أي وقل أيها الرسول:
لله الحمد الذي لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، والإنذار إليه، ولله الحمد على ما أنعم على من نعمة النبوة، وعلى ما علّمني ووفقني لتحمل أعباء الرسالة