الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الرابع: أن لا يكون قد علم حكمه قبل ذلك
، فإنه إن علم أنه واجب أو سنة في أصل المشروعية له فأمته مثله.
فإذا تقررت هذه الشروط فنقول:
أما القسم الأول: وهو الذي يظهر فيه قصد القربة إلى الله تعالى: فلا يخلو إما أن يثبت الفعل إجمالا في محل الحكم، أو تفصيلا.
أما الإجمال: فكاحتجاج الشافعية على أن مسح الرأس يستحب فيه التكرار ثلاثا، بما روى: أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا.
فيقول أصحابنا: هذا ليس بصريح في تكرار المسح، بل الظاهر أنه لا يتناوله، لأن الوضوء مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة، والنظافة مخصوصة بالغسل، فكأنه قال: غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا.
والجواب عند الشافعية أن الوضوء في لسان الشرع يتناول مسح الرأس، ويتأيد هذا بما ورد في الخبر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، ومعلوم أن الصلاة لا تقبل إلا بوضوء مشتمل على مسح الرأس، فعلمنا، أن الوضوء مشتمل على مسح الرأس في قوله توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً.
وأما التفصيل: فكاحتجاج أصحابنا على وجوب الطهارة في الطواف بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على طهارة.
فتقول الحنفية: لا يلزم من ذلك الوجوب، لأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب، والجواب عند أصحابنا: إما بيان أنه دليل على الوجوب بما يذكرونه في أصول الفقه، وإما أنه بيان للطواف الوجب في قوله تعالى:{وليطوفوا بالبيت العتيق} وهو من المناسك وقد قال صلى الله عليه وسلم: {خذوا عني مناسككم} وإذا كان بيانا للواجب فهو واجب.
ومثال ذلك: احتجاج أصحابنا على الوجوب القيام في الخطبة
بما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما.
والحنفية لا تحمل فعله صلى الله عليه وسلم على الوجوب، فلا توجب القيام، وأصحابنا يبينون أنه للوجوب بما في أصول الفقه، ويرون أنه بيان لصلاة الجمعة، وتابعها الواجب، وبيان الواجب واجب.
ومثال ذلك: احتجاج الشافعية ومن وافقهم من أصحابنا على وجوب الترتيب في الوضوء، بما روى: أنه صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثم يديه ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه، وربما يثبتون، أنه توضأ مرتبًا
بطريقة أخرى، فيقولون: لو لم يتوضأ مرتبا لتوضأ منكسا، ولو توضأ منكسا لوجب التنكيس لأن فعله صلى الله عليه وسلم دليل على الوجوب، فدل أنه توضأ مرتبًا، وإذا توضأ مرتبا كان الترتيب واجبا، لما تقدم من دلالة فعله صلى الله عليه وسلم على الوجوب.
وأما القسم الثاني: وهو الذي لا يظهر فيه قصد القربة إلى الله تعالى: فغاية ما يدل عليه جواز الفعل، وهذا كاحتجاج الحنفية على جواز نكاح المحر، بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو
محرم. فإذا كان ذلك مباحًا في حقه فهو في حقنا كذلك، وقد أباح له صلى الله عليه وسلم نكاح زوج دعيه زيد بن حارثة بقوله سبحانه: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها، وعلله بقوله سبحانه: لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم، فأفادت العلة اقتداءنا به في الإباحة ورفع الحرج.
خاتمة
ويلحق بالفعل في الدلالة الترك فإنه كما يستدل بفعله صلى الله عليه وسلم على عدم التحريم، يستدل بتركه على عدم الوجوب.
وهذا كاحتجاج أصحابنا على عدم وجوب الوضوء مما مسته النار بما روي أنه صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى، [ول يتوضأ.
وكاحتجاجهم على أن الحجامة لا تنقض الوضوء، بما
روي: أنه صلى الله عليه وسلم احتجم ولم يتوضأ وصلى.
ومما يلحق به أيضا في الدلالة على عدم الحكم، سكوته صلى الله عليه وسلم على حكم لو كان مشروعا لبينه.
ومثاله احتجاج الشافعية على أن من أفطر في رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه، بما روى أن رجلا قال: يا رسول الله نسيت وأكلت وشربت وأنا صائم، فقال: الله أطعمك وسقاك، قالوا: فلو كان القضاء واجبًا لبينه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك: احتجاجهم على أن المرأة لا كفارة عليها في الوقاع في رمضان، بما روي أن رجلا قال: واقعت أهلي في نهار رمضان، فقال صلى الله عليه وسلم اعتق رقبة، فلو وجبت على المرأة كفارة لبينها، صلى الله عليه وسلم، ولأمره بتبليغ ذلك لأهله كما أمر أنيسا في حديث الرجل الذي فجرت امرأته، فقال: واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها.
واعلم: أن من شرط هذا الاستدلال بيان أن الوقت وقت حاجة للبيان، بحيث يكون التأخير معصية، فلذلك لم نقل نحن بسقوط القضاء عمن أفطر ناسيًا، ولا بسقوط الكفارة عن المرأة في الوقاع، ونرد ما احتجت به الشافعية: بأن القضاء والكفارة غير واجبين على الفور فلا يلزم من تركه صلى الله عليه وسلم بيان الحكم على الفور سقوط الحكم، وإنما أمر أنيسا على الفور، لأنه حد بلغ] الإمام فبيانه يوجب عليه القيام به في الفور.
وهذا تمام الكلام على قسم الفعل.