المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: اختلف إذا نسخ المنطوق - مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول

[الشريف التلمساني]

فهرس الكتاب

- ‌الجنس الأول: الدليل بنفسه

- ‌الباب الأول في السند

- ‌الفصل الأول: في التواتر

- ‌الفصل الثاني في الآحاد

- ‌القول في الجهة الإجمالية:

- ‌القول في الجهة التفصيلية:

- ‌الشرط الأول: في قبول الرواة:

- ‌الكلام في الضبط

- ‌الشرط الثاني: في اتصال الرواية بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌القادح الأول الانقطاع:

- ‌القادح الثاني: الإرسال:

- ‌القادح الثالث: الوقف:

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الثاني: في كون الأصل النقلي متضح الدلالة

- ‌القسم الأول: القول

- ‌الجهة الأولى: جهة المنطوق

- ‌الطرف الأول: في الدلالة على الحكم

- ‌القول في الامر:

- ‌المسألة الأولى: اختلفوا في الأمر المطلق، هل يقتضي الوجوب أو الندب أو غير ذلك

- ‌المسألة الثانية: في كون الأمر بالشيء يقتضي المبادرة إليه أو لا يقتضيها

- ‌المسألة الثالثة: في كون الأمر يقتضي التكرار أو لا يقتضيه

- ‌المسألة الرابعة: في أن الأمر الموقت بوقت موسع، هل يتعلق بأول الوقت خاصة، أو بآخره خاصة، أو لا يختص تعلقه بجزء معين من الوقت

- ‌المسألة الخامسة: في أن الأمر إذا كان يسقط بفعل بعض المكلفين، هل يتعلق الابتداء بجميع المكلفين ثم يسقط بفعل من فعل عمن لم يفعل، أو إنما يتعلق ابتداء ببعض المكلفين

- ‌المسألة السادسة: في أن الأمر بواحد من أشياء هل يقتضي جميعها أو يقتضي واحدًا لا بعينه

- ‌المسألة السابعة: في الأمر بالشيء هل يقتضي الأجزاء أو لا

- ‌المسألة الثامنة: في أن الأمر المؤقت بوقت، هل يقتضي قضاء الفعل المأمور به بعد فواته على ذلك الوقت أو لا يقتضيه

- ‌المسألة التاسعة: في أن الأمر بالشيء، هلي قتضي وسيلة المأمور به أو لا يقتضيها

- ‌المسألة العاشرة: اختلفوا في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده

- ‌القول في النهي

- ‌المسألة الأولى: في كون النهي مقتضيا للتحريم أو للكراهة

- ‌المسألة الثانية: في النهي هل يدل على فساد المنهي عنه أو لا

- ‌القول في التخيير

- ‌الطرف الثاني: في الدلالة على متعلق الحكم

- ‌الفصل الأول في النص

- ‌الفصل الثاني في المجمل

- ‌المطلب الأول في التعريف بأسباب الإجمال:

- ‌السبب الأول: الاشتراك في نفس اللفظ

- ‌السبب الثاني: التصريف

- ‌السبب الثالث: اللواحق:

- ‌السبب الرابع: اشتراك التأليف

- ‌السبب الخامس: تركيب المفصل

- ‌السبب السادس: تفصيل المركب

- ‌المطلب الثاني: في بيان القرائن المرجحة لأحد الاحتمالين

- ‌القرينة اللفظية

- ‌القرينة السياقية

- ‌القرينة الخارجية

- ‌المطلب الثالث: في مسائل ذكرها الأصوليون واختلفوا في كونها مجملة أو ليست بمجملة، وهي ست مسائل:

- ‌المسألة الأولى: في إضافة الأحكام الشرعية إلى الأعيان، هل يوجب إجمالا أو لا

- ‌المسألة الثانية: في الكلام الذي يتوقف صدقه على الإضمار، هل هو مجمل أو لا

- ‌المسألة الثالثة: في دخول النفي على الحقائق الشرعية:

- ‌المسألة الرابعة: في اللفظ إذا كان يحتمل معنيين إن حمل على أحدهما أفاد فائدة، وإن حمل على المعنى الآخر أفاد فائدتين

- ‌المسألة الخامسة: في اللفظ الدائر بين إفادة حكم شرعي وإفادة وضع لغوي

- ‌المسألة السادسة: فيما إذا كان للفظ مسمى في اللغة ومسى في الشرع:

- ‌الفصل الثالث: في الظاهر

- ‌السبب الأول: الحقيقة

- ‌السبب الثاني: الانفراد في الوضع، وفي مقابلته الاشتراك

- ‌السبب الثالث: التباين

- ‌السبب الرابع: الاستقلال

- ‌السبب الخامس: التأسيس

- ‌السبب السادس: الترتيب

- ‌السبب السابع: العموم

- ‌القول في العموم اللغوي

- ‌المسألة الأولى: أسماء الشروط

- ‌المسألة الثانية: أسماء الاستفهام

- ‌المسالة الثالثة: الموصولات

- ‌ العام بلفظ آخر:

- ‌المسألة الأولى: لفظ أي الشرطية يفيد العموم

- ‌المسألة الثانية: لفظ أي الاستفهامية

- ‌المسألة الثالثة: حرف النفي

- ‌المسألة الرابعة: الألف واللام

- ‌المسألة الخامسة: لفظ كل أو جميع

- ‌القول في العموم العرفي

- ‌القول في العموم العقلي

- ‌المسألة الأولى: إذا كان اللفظ مشتركًا بين معنيين

- ‌المسألة الثانية: العام ظاهر في جميع أفراده لكنه قطعي في أقل الجمع

- ‌السبب الثامن: الإطلاق

- ‌الفصل الرابع: في المؤول

- ‌التأويل الأول: حمل اللفظ على مجازه لا على حقيقته

- ‌التأويل الثاني: الاشتراك

- ‌التأويل الثالث: الإضمار

- ‌التأويل الرابع الترادف

- ‌التأويل الخامس: التأكيد

- ‌التأويل السادس: التقديم والتأخير

- ‌التأويل السابع: التخصيص

- ‌الأول: الاستثناء

- ‌المسألة الثانية: الاستثناء إذا ورد بعد جمل منسوقة بالواو، فإنه يرجع إلى الأخيرة اتفاقا

- ‌ التخصيص بالمنفصل

- ‌المسألة الثانية: يجوز تخصيص عموم الخبر الواحد بالقياس عند الجمهور

- ‌المسألة الثالثة: يجوز تخصيص العموم بالمفهوم عند أكثر القائلين به

- ‌خاتمة

- ‌التأويل الثامن: التقييد

- ‌خاتمة لفصل المؤول

- ‌الجهة الثانية: في دلالة القول بمفهومه

- ‌مفهوم الموافقة:

- ‌ مفهوم المخالفة

- ‌الشرط الأول: أن لا يخرج مخرج الغالب:

- ‌الشرط الثاني: أن لا يخرج عن سؤال معين

- ‌الشرط الثالث: أن لا يقصد الشارع تهويل الحكم وتفخيم أمره

- ‌الشرط الرابع: أن لا يكون المنطوق محل إشكال في الحكم

- ‌الشرط الخامس: أن لا يكون الشارع ذكر حدًا محصورا للقياس عليه لا للمخالفة بينه وبين غيره

- ‌ مفهومات المخالفة

- ‌المسألة الأولى: مفهوم الصفة

- ‌المسألة الثانية: مفهوم الشرط

- ‌المسألة الثالثة: مفهوم الغاية

- ‌المسألة الرابعة: مفهوم العدد

- ‌المسألة الخامسة: مفهوم الزمان

- ‌المسألة السادسة: مفهوم المكان

- ‌المسألة السابعة: مفهوم اللقب

- ‌القسم الثاني من أقسام المتن الفعل

- ‌الشرط الأول: أن لا يكون جبليا

- ‌الشرط الثاني: أن لا يكون الفعل خاصاً به صلى الله عليه وسلم

- ‌الشرط الثالث: أن لا يكون بيانا لما ثبت مشروعيته

- ‌الشرط الرابع: أن لا يكون قد علم حكمه قبل ذلك

- ‌القسم الثالث من أقسام المتن التقرير

- ‌الفصل الأول: إذا وقع الحكم بين يديه صلى الله عليه وسلم فأقره على ذلك

- ‌الفصل الثاني: اعلم أن الفعل: إما أن يكون واقعا بين يديه صلى الله عليه وسلم وإما أن يكون واقعا في زمانه صلى الله عليه وسلم

- ‌المسألة الأولى الفعل الواقع بين يديه صلى الله عليه وسلم

- ‌المسألة الثانية: ما وقع في زمانه صلى الله عليه وسلم وكان مشهورا

- ‌المسألة الثالثة: وهو ما وقع في زمانه صلى الله عليه وسلم وكان خفيا

- ‌الباب الثالث: في كون الأصلي النقلي مستمر الأحكام

- ‌المسألة الأولى: الزيادة على النص المطلق ليست بنسخ عندنا وعند الشافعية، خلافاً للحنفية

- ‌المسألة الثانية: اختلف إذا نسخ المنطوق

- ‌خاتمة

- ‌الباب الرابع: في كون الأصل النقلي راجحا

- ‌الفصل الأول: في ترجيحات السند

- ‌السبب الأول: كبر الراوي

- ‌السبب الثاني: أن يكون الراوي لأحد الخبرين أعلم وأتقن من الراوي الآخر

- ‌السبب الثالث: أن يكون الراوي مباشرا للقصة بنفسه

- ‌السبب الرابع: أن يكون أحد الراويين صاحب الواقعة فهو أولى

- ‌السبب الخامس: أن يكون أحد الراويين أكثر صحبة، فالأكثر صحبة أولى

- ‌السبب السادس: كثر رواة أحد الخبرين

- ‌السبب السابع: أن يكون أحدهما أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌السبب الثامن: كون الراوي سمع الحديث من غير حجاب

- ‌السبب التاسع: أن يكون أحد الراويين لم تختلف الرواية عنه بخلاف الآخر

- ‌السبب العاشر: أن يكون أحد الراويين متأخر الإسلام

- ‌الفصل الثاني: في ترجيحات المتن

- ‌السبب الأول: أن يكون أحد المتنين قولا والآخر فعل

- ‌السبب الثاني: أن يكون أحد المتنين دالاً بمنطوقه والآخر بمفهومه

- ‌السبب الثالث: أن يكون أحدهما قصد به الحكم ولآخر ليس كذلك

- ‌السبب السادس والسابع: ترجيح الظاهر على المؤول

- ‌السبب الثامن: أن يكون أحدهما إثباتا والآخر نفيا، فإن الإثبات أرجح

- ‌السبب التاسع: أن يكون أحدهما ناقلا عن أصل البراءة والآخر مبقيا فإن الناقل أولى

- ‌السبب العاشر: كون أحدهما يتضمن احتياطا، فإنه أرجح

- ‌الضرب الثاني: استصحاب حكم الشرع

- ‌النوع الثاني: وهو ما كان لازما عن أصل

- ‌الباب الأول: في قياس الطرد

- ‌الفصل الأول: في أركان القياس

- ‌الركن الأول: الأصل

- ‌الشرط الأول: أن يكون الحكم فيه ثابتا

- ‌الشرط الثاني: أن يكون الأصل مستمرا في الحكم

- ‌الشرط الثالث: أن لا يكون الأصل مخصوصا بالحكم

- ‌الشرط الرابع: أن لا يكون الأصل المقيس عليه فرعًا عن اصل آخر

- ‌الشرط الخامس: أن لا يكون الاتفاق على الحكم مركبا على وصفين

- ‌الركن الثاني: العلة

- ‌المسألة الأولى: يجوز تعليل الحكم الوجودي بالوصف الوجودي والحكم العدمي بالوصف العدمي إجماعا

- ‌المسألة الثانية: يجب أن يكون الوصف الذي يقتضي الحكم ظاهرا لا خفيا

- ‌المسألة الثالثة: يجب أن يكون وصف العلة منضبطًا غير مضطرب

- ‌المسألة الرابعة: اختلفوا في اشتراط الاطراد في العلة

- ‌المسألة الخامسة: اختلفوا في اشتراط الانعكاس في العلة

- ‌المسألة السادسة: اختلفوا في اشتراط التعدية في العلة

- ‌خاتمة

- ‌ مسالك العلة:

- ‌المسلك الأول: النص

- ‌المسلك الثاني: الإجماع

- ‌المسلك الثالث: المناسبة

- ‌المسلك الرابع: الدوران

- ‌المسلك الخامس: الشبه

- ‌الركن الثالث: "الفرع

- ‌الشرط الأول: أن تكون العلة موجودة في الفرع

- ‌الشرط الثاني: أن لا يتقدم حكم الفرع على الأصل

- ‌الشرط الرابع: أن لا يباين موضع الأصل موضع الفرع في الأحكام

- ‌الركن الرابع: الحكم

- ‌المسألة الأولى: من شرط الحكم أن يكون شرعيًا

- ‌المسألة الثانية: لا يجوز إثبات الحكم العادي بالقياس

- ‌المسألة الثالثة: ما يطلب فيه القطع، فلا يجوز إثباته بالقياس

- ‌المسألة الرابعة: اختلف الأصوليون في نفي الحكم: هل هو شرعي أو لا

- ‌الفصل الثاني: في أقسام قياس الطرد

- ‌القسم الأول: قياس لا فارق

- ‌القسم الثاني: قياس العلة

- ‌القسم الثالث: قياس الدلالة

- ‌الاعتراض الأول: منع الحكم في الأصل

- ‌الاعتراض الثاني: منع وجود الوصف في الأصل

- ‌الاعتراض الثالث: منع كون الوصف علة

- ‌الاعتراض الرابع: المعارضة في الأصل

- ‌الاعتراض الخامس: منع وجود الوصف في الفرع

- ‌الاعتراض السادس: المعارضة في الفرع بما يقتضي نقيض الحكم

- ‌الباب الثاني: في قياس العكس

- ‌الباب الثالث: في الاستدلال

- ‌القسم الأول: الاستدلال بالمعلول على العلة

- ‌القسم الثاني: الاستدلال بالعلة على المعلول

- ‌القسم الثالث: الاستدلال بأحد المعلولين على الآخر

- ‌القسم الرابع: التنافي بين الحكمين وجودا وعدما

- ‌القسم الخامس: التنافي بين الحكمين وجودًا فقط

- ‌القسم السادس: التنافي بين الحكمين عدما فقط

- ‌المسألة الأولى: إذا حكم واحد من الصحابة والتابعين بمحضر جماعة

- ‌المسألة الثانية: إذا أجمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على قول، وخالفهم واحد منهم فقد اختلف في ذلك

- ‌المسألة الثالثة: إذا أجمع أهل العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول، فقد اختلف في ذلك هل يكون إجماعا وحجة أو لا

- ‌المسألة الرابعة: إجماع أهل المدينة حجة عند مالك، رحمه الله تعالى، وخالفه في ذلك غيره

الفصل: ‌المسألة الثانية: اختلف إذا نسخ المنطوق

في القرآن، هو نسخ، ونسخ القرآن بأخبار الآحاد لا يجوز.

والفرق بين المثال الأول وهذا المثال هو: أن الزيادة في المثال الأول صفة في الأصل المزيد عليه، والزيادة هنا متميزة عن الأصل المزيد عليه، لا يقال إن الطهارة متميزة عن الطواف، لأنا نقول: لسنا نعني بالطهارة الوضوء، بل صفة المكلف الحاصلة حين الطواف، بدليل أنه لو أحدث بعد الوضوء لم يطف لأن الطهارة حين الطواف لم تحصل، وإنما يرى أصحابنا أنها ليست بنسخ، لأن العبادة المطلقة المأمور بها من حيث هي لا تنافي شيئا من القيود، فأجزأت ولم يجب قيد معين، فإذا وجب القيد المعين كان زيادة على وجوب الأصل، لا رافعا له، كعبادة زيدت على عبادة، فلا تكون الثانية ناسخة لحكم الأولى.

‌المسألة الثانية: اختلف إذا نسخ المنطوق

، هل يلزم من ذلك نسخ المفهوم أم

ص: 600

لا؟ والمسألة مسألة نظر وبحث.

أما مفهوم الموافقة فمثاله: احتجاج الحنفية على أن الحر يقتل بالعبد، بقوله صلى الله عليه وسلم: من قتل عبده قتلناه، ومن جرحه

ص: 601

جرحناه"، فإذا وجب ذلك في عبده، فوجوبه في عبد غيره أحرى، وأولى.

فيقول أصحابنا: هذا الخبر منسوخ عندنا، لأنكم لا تقولون بأن الحر يقتل بعبده.

والجواب عندهم: أنهم يستدلون بفحوى هذا الخطاب، وإن كان أصله منسوخا، إذ لا يلزم نسخ الفحوي من نسخ أصلها.

وأما مفهوم المخالفة فمثاله: احتجاج أصحابنا على أن الوصية للأجانب غير فرض، بقوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم

ص: 602

الموت إن ترك خيرًا بالوصية للوالدين والأقربين}، فمفهومه: أنها لغير الوالدين والأقربين غير فرض.

ويقول أهل الظاهر هذه الاية منسوخة، بقوله صلى الله عليه وسلم: لا وصية لوارث.

والجواب عند أصحابنا: أن الاية لها جهتان في الدلالة، جهة منطوق وجهة مفهوم، فلا يلزم من نسخ مقتضى إحدى الجهتين نسخ مقتضى الأخرى.

ص: 603

المسألة الثالثة:

اعلم أن الأصل النقلي يعلم كونه منسوخا بوجوه منها: متفق عليه، ومنها: مختلف فيه.

فمن ذلك أن ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم كونه منسوخا بالصريح، كقوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروها، وكنت نهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا، وكنت نهيتكم عن زيادة القبور فزورها، فهذه الأخبار علم منها الحكم المنسوخ.

ومما احتج به بعض أصحابنا على طهارة جلد الميتة بعد الدباغ، قوله صلى الله عليه وسلم: إيما إهاب دبغ فقط طهر.

فتقول الحنابلة: هذا منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم: كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا إتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب.

والجواب عند أصحابنا: أن الحديث إنما أشار به إلى ما رخص فيه

ص: 604

حين مر بشاة ميتة، فقال: هلا انتفعتم بجلدها. قيل: يا رسول الله إنها ميتة. فقال: إنما حرم أكلها، فلما أباح صلى الله عليه وسلم الانتفاع بجلدها إباحة مطلقة من دون تقييد بدباغ أشار في الخبر إلى تحريمه، لا إلى تحريم الانتفاع بالجلد بعد الدباغ، والذي يدل على ذلك: ان الإهاب اسم للجلد الذي لم يدبغ، فقوله صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، إنما أشعر بتحريم الانتفاع بالجلد قبل الدباغ، فأما بعده فلا.

ومن ذلك: أن ينعقد الإجماع على خلاف الحكم، وإن لم يعلم الناسخ فالإجماع عندنا ليس بناسخ، ولكنه متضمن للناسخ، ومثاله ما

ص: 605

روي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل شارب الخمر، في المرة الرابعة، ثم انعقد الإجماع، بعد ذلك على أنه يحد ولا يقتل، فعلمنا أن الخبر الأول منسوخ.

ومن هذا المعنى عندنا عمل أهل المدينة، ولذلك قدمه مالك

ص: 606

رحمه الله على الخبر.

ومن ذلك أن يصرح الراوي بأن الحكم منسوخ، كما إذا احتج بعض أصحابنا على ان الحامل والمرضع تفطران وتطعمان، بقوله تعالى:{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} .

ص: 607

فيقول المخالف: هذا منسوخ بما روى أن سلمة بن الأكوع، قال: إن الناس كانوا في ابتداء الإسلام مخيرين بين الصوم والفطر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فلو لميكن ما قال الراوي في بيان تقدمه: كان هذا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ فإن قال: هذا منسوخ بهذا، فإن كثيرًا من الأصوليون لا يجعل قول الراوي دليلا، لأنه يتحمل أن يكون عن اجتهاد لا عن نقل.

ص: 608

ومن ذلك: أن يستند الراوي في بيان تقدمه على ما يخالفه إلى أمر إجمالي، كما إذا احتج أصحابنا على أن الإمام مخير بين المن والفداء، بقوله تعالى:{فإما منا بعد وإما فداء} .

فيقول أصحاب أبي حنيفة: هذه الاية منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فإن الاية الاولى في سورة القتال، والاية الثانية في سورة براءة، ومن المعلوم أن براءة متأخرة عن القتال، في النزول.

ومن ذلك إذا علم تاريخ الحكم، وعلى تأخر، إسلام راوي الخبر المعارض له عن ذلك التاريخ، كما إذا احتج أصحاب أبي

ص: 609

فيقول أصحابنا: هذا منسوخ بخبر أبي هريرة، عنه صلى الله عليه وسلم:«من مس ذكره فليتوضأ» ، ومن المعلوم أن إسلام أبي هريرة بعد بناء المسجد بسنين، فقد قال أبو هريرة:«قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وعلى المدينة سباع بن عرفطة» .

ص: 611

فإن لم يتعين تاريخ الخبر المنسوخ لم يلزم نسخه بتأخر إسلام راوي الخبر المعارض له، ولا بقرب أحد الخبرين في التاريخ من موته صلى الله عليه وسلم، كما روي:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن استقبال القبلة ببول أو بغائط» .

فيقول المخالف: هذا منسوخ بحديث جابر، قال:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بعام يبول وهو مستقبل القبلة» ، وإنما لم يتعين بهذا كون الخبر الأول منسوخاً، لاحتمال أن يكون متأخرًا عن حديث جابر.

ومن ذلك ان يرتفع سبب مشروعية الحكم ويستقر خلافه، فإن ذلك لا يدل على أن الحكم الأول منسوخ، كما إذا استدل أصحابنا على غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً، بحديث أبي هريرة.

فتقول الحنفية: إنما كان ذلك لشدة ألفهم للكلاب، وعسر مفارقتها

ص: 612

عليهم، فشدد عليهم في ذلك لكي يتجشموا مفارقتها، وتنقطع العلاقة العادية بينهم وبينها، فلما زالت تلك الحقائق زال الحكم المشروع.

وكذلك احتجاج أصحابنا على أن تخليل الخمر محظور، بحديث أنس قال:«سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا؟ فقال: لا» .

فتقول الحنفية: إنما كان ذلك في ابتداء الأمر، لأجل شدة شغفهم

ص: 613

بها، فحرم اقتناؤها للتخليل حسما للباب، فلما زالت تلك المهلكات زال تحريم الاقتناء للتخليل، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بكسر الدنان، وتخريق الظروف حينئذ، ولا يجب اليوم بالإجماع.

والجواب عند أصحابنا: أن الحكم إذا شرع لسبب فلا يلزم رفعه لارتفاع ذلك السبب، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالرمل في الطواف، إظهارا لجلد الإسلام حين قالت كفار قريش في عمرة القضاء: إن أصحاب محمد قد وهنتهم حمي يثرب، وقد زال هذا السبب، ثم لم يزل الحكم، فقد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ورمل

ص: 614

أصحابه ولم يكن بمكة إذ ذاك مشرك.

وهذه المسألة: أعني مسألة تخليل الخمر، مما يتعلق بالنظر في جواز النسخ بالقياس، وفي ذلك خلف

ومثال ذلك: احتجاج أصحابنا على أن أسار السباع طاهرة، بما رواه جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم، وبما أفضيت السباع كلها.

فيقول أصحاب أبي حنيفة: إنما كان ذلك حين كانت السباع

ص: 615

حلالا فلما نسخت إباحة السباع نسخت طهارة أسآرها، فكأنهم قاسوا نسخ أحد الحكمين على نسخ الآخر، بناء على اتحادهما في العلة، فلما زال أحد الحكمين زال اعتبار علته، ولزم من ذلك زوا الحكم الآخر.

ونحن نقول: لا يلزم من نسخ أحد الحكمين نسخ الآخر، لأن الوصف الواحد يجوز أن يكون علة لحكمين من جهتين، فلا يلزم من رفع اعتباره من إحدى الجهتين رفع اعتباره من الجهة الأخرى، فيتعلق بما نحن فيه، إذا كان الدليل أو الخبر يتضمن حكمين، فهل يلزم من نسخ أحد الحكمين نسخ الآخر أو لا

والتحقيق فيه: أنه إن كان أحد الحكمين لا ارتباط بينه وبين الآخر إلا من حيث اشتمل عليها نص واحد من كتاب أو سنة، فإنه لا يلزم من رفع أحدهما رفع الآخر.

ومثاله: احتجاج أصحابنا على أن بيع الكلب حرام، بقوله صلى الله عليه وسلم:

ص: 616

كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث.

فيقول المخالف: قد نسخ خبث كسب الحجام بحديث أبي طيبة: أنه حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه أجرته، فإذا نسخ خبث كسب الحجام نسخ خبث ثمن الكلب، فهذا وأمثاله ضعيف.

وأما إن كان بين الحكمين ارتباط وتلازم، فإنه يلزم من رفع احد الحكمين رفع الآخر، ومثاله: ما إذا ادعينا حد شارب النبيذ بالقياس على الخمر أو غيره.

فتقول الحنفية: قد نسخ الحد عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا، فلما نسخ التحريم فيه لزوم وجوب الحد على شاربه.

ص: 617

كذلك كل ما في معنى هذا المثال، كما إذا ادعينا جرحة الشاهد بفعل من الأفعال، فيقول: قد نسخ ذلك الفعل، فيلزم نسخ التجريح به.

وقد يكون الاستلزام خفيا أو مظنونًا، فيقع الخلاف، كما إذا احتج الشافعي رحمه الله تعالى على تحريم ثمن الكلب بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب وما وجب قتله فلا قيمة على متلفه، ومالا قيمة على متلفه فلا ثمن له.

فتقول الحنفية: قد نسخ حكم قتل الكلاب، فوجب بذلك القيمة على متلفه، وما لا قيمة على متلفه فلا ثمن له.

فتقول الحنفية: قد نسخ حكم قتل الكلاب، فوجب بذلك القيمة على متلفه، فإذا وجبت القيمة حل الثمن.

فهذا استلزم خفي، يقبل المنع، مع أنه لا يلزم من وجوب القيمة على القاتل جواز البيع.

ص: 618