الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصفا والمروة من شعائر الله} فقالوا: بم نبدأ يا رسول الله؟ فقال: ابدأ بما بدأ الله به، والعام إذا ورد على سبب خاص فإنه يقصر على سببه.
والجواب عند الشافعية: أن الصحيح عند أهل الأصول أن العام لا يقصر على سببه، بل يحمل على عمومه، لأن المقتضي للعموم قائم، والسبب لا يصلح أن يكون مانعًا، لأنه يجوز أن يقتطع للسبب حظه منه، وينسحب حكم العموم على باقي أفراد العام.
التأويل الثامن: التقييد
.
اعلم أن صورة التقييد إما أن تتحد مع صورة الإطلاق في السبب والحكم معا وإما أن تتحد في السبب وتختلف في الحكم، وإما أن تختلف في السبب وتتحد في الحكم، وإما أن تختلف في الصورتان فيهما معا.
فأما إن اتحدث في السبب والحكم، فلا خلاف أنه يحمل المطلق
على المقيد، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدين، وفي رواية أخرى: لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل، فإنه يجب هنا تقييد الشهود بالعدالة، وإنما لم يقييده أبو حنيفة وأجاز النكاح بحضور الفاسقين، لأن الخبر لم يثبت عنده، فإن كان التقييد بخبر الواحد، والمطلق من القرآن تقيد به عندنا، ولم يتقيد عند أبي حنيفة، لأنه عنده زيادة على النص، فيكون نسخا عنده، ونسخ القرآن لا يجوز -
عنده - بخبر الواحد.
ومثاله: تقييد قوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى} بقوله صلى الله عليه وسلم، تحريمها التكبير: فإن الأول يقتضي بإطلاقه جواز الدخول في الصلاة بأي ذكر كان.
وأما إن اختلف السبب والحكم فلا خلاف في عدم حمل المطلق على المقيد، كقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما} فاليد مطلقة وقوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} فاليد مقيدة.
وأما إن اختلف السبب واتحد الحكم، فإنه يحمل المطلق على المقيد عندنا بجامع، وقيل: بغير جامع، ولا يحمل إن لم يكن جامع.
ومثاله: احتجاج أصحابنا بقوله تعالى في كفارة القتل: {فتحرير رقبة
مؤمنة}، على اعتبار الإيمان في كفارة الظهار، فإن الكفارة في آية القتل مقيدة فتحمل عليها الكفارة في آية الظهار.
فيقول أصحاب أبي حنيفة: لا يجب أن ترد آية الظهار إلى آية القتل لاختلاف السبب والجواب عند أصحابنا: أن الجميع كفارة، والعتق صدقة على المعتق نفسه، ومن شرط القابض للقربات الواجبة الإيمان كالزكاة، فإنها لا تجزيء إلا بدفعها لمؤمن، وهذه هي علة اعتبار الإيمان في كفارة القتل، وذلك بعينه موجود في كفارة الظهار، فوجب اعتبار الإيمان فيها.
وأما إن اتحد السبب واختلف الحكم - وهو عكس القسم الذي قبله - فقد اختلف أيضا في حمل المطلق على المقيد.
ومثاله: هل تجب مراعاة الأوسط في الكسوة أو لا:
فيقول من أوجب ذلك: لما قال الله تعالى في الإطعام في كفارة اليمين بالله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} ثم قال: {أو كسوتهم} فأتى بالكسوة مطلقا، وجب تقييدها بالأوسط، فكأنه قال: من أوسط ما تكسون أهليكم، لأن السبب واحد.
فيقال: لا يجب رد المطلق إلى المقيد إلا عند تشابه الأحكام وتماثلها، وأما إذا اختلفت بالانواع فلا، أفلا ترى أنه قيد الصيام في كفارة الظهار بالتتابع، فقال تعالى:{فصام شهرين متتابعين} والتتابع لا يجب في إطعام ستين مسكينا إجماعا، أي لا يجب أن يطعم بعضهم عقب بعض، وما ذاك إلا لاختلاف الأنواع.
والجواب عند الأولين: أن الأمور المختلفة يجوز اشتراكها في حكم واحد، وإذا كان كذلك فلا عبرة بالتماثل، ولا بالاختلاف، وفي الكلام عليه بحث يخرج عن المقصود.
وقد عد بعض الناس من هذا القبيل المقيد في قوله تعالى: في آية الوضوء: {وأيديكم إلى المرافق} والمطلق في قوله تعالى في آية التيمم: وأيديكم، فإن السبب في الجميع واحد، وهو القيام إلى الصلاة، والشيخ أبو بكر الأبهري من شيوخنا العراقيين يفرق بين هذا وبين ما قبله، ويقول: تضمن آية الوضوء زيادة عضو وهو الذراع، لا زيادة صفة، وفي الاية قبلها إنما تضمن القيد زيادة صفة وليس زيادة عضو كزيادة صفة لا عين لها قائمة، وهذا بحث خارج عن المقصود.
ومما يبحث فيه أيضا: أن يرد مطلق فيه حكم واحد على سبب، واحد، ثم يرد حكمان مرتبان على سببين، الحكم الأول أحد الحكمين،
والسبب الأول أحد السببين: كاحتجاج بعض أصحابنا على أن مجرد الردة تنقض الوضوء، فلو تاب هذا المرتد لزمه الوضوء وإن لم يحدث بقوله تعالى:{لئن أشركت ليحبطن عملك} وقوله سبحانه: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} .
فيقول من يخالف في ذلك من أصحابنا: هذه الاية وإن وردت مطلقة فإنه يجب أن تقيد بالوفاة على الكفر لقوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والأخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} لأن المطلق يجب رده إلى المقيد.
والجواب عند الأولين: أنه سبحانه قال في آخر الاية: {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} فرتب حكمين وهما حبط العمل والخلود في النار على وصفين وهما: الردة والتوفي على الكفر،
وإذا كان كذلك فمن الجائز أن يكون الحكم الأول وهو حبط العمل مرتبا على الوصف الأول وهو الردة، ويكون الحكم الثاني وهو الخلود في النار مرتبا على الوصف الثاني وهو التوفي على الكفر.