الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب عند الحنفية أن قالوا: إنا لم نقس الفرع على الأصل في الحكم المنسوخ، بل في حكم آخر: ولا يلزم من نسخ حكم الوجوب نسخ حكم التبييت، المقيس على الأصل فيه.
ومما ينظر فيه مسألة ظهار الأمة، فقد يقال بأن الظهار كان طلاقا مخصوصًا بملك النكاح، فلو لم ينسخ لم ينعقد في الأمة ظهار، لأن الطلاق لا ينعقد في الأمة، لكنه لما نسخ منه حكم الطلاق صرف إلى مجرد تحريم الاستمتاع، والاستمتاع مشترك فيه بين الزوجة والأمة، وجب أن ينعقد الظهار في الزوجة والأمة.
وقد يقال: كان الظهار حكم مخصوص وهو الطلاق، ومحل مخصوص وهو الزوجة، وقد نسخ حكمه، فلا يلزم منه نسخ محله، ألا ترى أن الإيلاء كان طلاقا ثم نسخ، وبقي محله وهو الزوجة - غير منسوخ.
الشرط الثالث: أن لا يكون الأصل مخصوصا بالحكم
فإنه إذا كان
مخصوصاً تعذر إلحاق غيره به في الحكم وإلا بطل الخصوص.
وهذا الشرط يتفصل إلى ثلاثة أقسام:
قسم نص الشرع على الخصوص فيه، أو ثبت الإجماع على ذلك.
وقسم لم ينص الشرع على الخصوص، فيه، إلا أنه لا يعقل معناه فيتعذر إلحاق غيره به لأجل الجهل بالمعنى الذي لأجله شرع الحكم في الأصل.
وقسم عقل معناه إلا أنه فقد ما شاركه في ذلك المعنى.
فأما القسم الأول: فمثاله: قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة خزيمة
وحده فإنه كان مخصوصا بذلك، ومشتهرا به من بين الصحابة رضوان الله عنهم، ولأنه لو ألحق به غيره لجرى، القياس في كل شاهد وبطل اعتبار العدد في الشهود.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة في العناق، تجزيء عنك ولا
تجزيء عن أحد بعدك، وكاختصاص سالم بالرضاع، وهو كبير، حتى صار يدخل على عائشة رضي الله عنها من غير حجاب
وفي معني هذا ما اختص به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحكام، ولا يحلق به غيره فيها.
وقد اختلف في فروع بناء على أنه صلى الله عليه وسلم مختص بتلك الأحكام أم لا.
فمن ذلك: الخلاف في جواز العقد في النكاح بلفظ الهبة، فالشافعية تمنع منه، وترى أنه مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى:{خالصة لك من دون المؤمنين} .
والحنفية: يردون ذلك إلى سقوط المهر، لأن به يظهر الشرف ورفع الحرج، بخلاف الاختصاص بلفظ يوجد ما يقوم مقامه من الألفاظ.
والشافعية: ترى أن اختصاصه صلى الله عليه وسلم باللفظ تابع لاختصاصه بمعناه ولأجل ذلك اختلف فيه عندنا في المذهب على قولين.
ومن ذلك: جواز جعل عتق الأمة صداقها، فإن ذلك عندنا من خواصه صلى الله عليه وسلم، فلا يحلق به غيره وأمثال هذا القسم كثير.
أما إذا وقع النزاع بين الخصمين في كون الأصل مخصوصا بالنص، فإن الظاهر حمله على عدم الخصوص حتى يثبت الخصوص بنص أو إجماع
ومن ذلك: اختلاف العلماء في الإحرام، هل ينقطع بالموت أو لا؟ وينبني على هذا جواز تطييب المحرم إذا مات.
واختلافهم في الشهيد: هل يغسل ويصلي عليه ام لا؟ وقد ورد في الخبر: أن أعرابيا وقصت به ناقيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا، وقال صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يبعثون يوم
القيامة وجراحهم تشخب دما، اللون لون الدم والريح ريح المسك.
فالحنفية ترى أن ذلك مخصوص بالأعرابي وبشهداء قتلى أحد فلا يلحق بهم غيرهم والشافعية ترى: أن ذلك غير مخصوص بهم، فيلحق بهم غيرهم.
وأما أصحابنا المالكية ففصلوا ورأوا: أن حديث الأعرابي مخصوص فلا يلحق به غيره وحديث الشهداء عام.
القسم الثاني: وهو ما لا يعقل معناه، فمثاله: معظم التقديرات، فإنها غير معقولة المعنى فلا يقاس عليها.
فإن قيل: قد قستم تقدير أقل الصداق على تقدير أقل نصاب السرقة، وقستم تحديد اليد بالكوع في التيمم على تحديدها في القطع بالسرقة على مشهور المذهب، وذلك تقدير ثبت بالقياس.
قلنا: ليس ذلك قياسا، وإنما هو استشهاد على أقل ما هو معتبر، وتقديره: أن الشرع أوجب المال في النكاح فقال تعالى: {أن تبتغوا بأمولكم} وذلك إظهار لخطر النكاح، والخطر لا يحصل بأقل م يسمى مالا، فإن الفلس والحبة يصدق على كل واحد منهما أنه مال، ولا بد من اعتبار ماله، خطر وبال، وذلك مختلف شرعا وعرفا، فوجب الرجوع فيهما إلى الشرع، إذ هو الموجب لأصل المال في النكاح تشريعًا له، ووجب اعتبار أقل الأموال التي جعل الشرع لها خطرا، ولا أقل من نصاب السرقة، فإن اليد ذات خطر، فلما قطعت من ربع دينار،
دل ذلك على أن ربع دينار له خطر، ولما لم نجد أقل منه يشهد الشرع بخطرهـ، علمنا أن أقل الأموال التي لها خطر في الشرع ربع دينار، فلذلك حددنا به المهر.
وأما تحديد اليد بالكوع، فإنه ليس بقياس أيضا، بل أخذ بتلك الطريقة نفسها، فإن اليد مطلقة تقبل التحديد بحدود كثيرة، فكان أصل تحديدات اليد إنما هو بالكوع، فلذلك تحدد به اليد في الأجزاء عندنا على المشهور وحكمنا عليه بالإعادة في الوقت طلبا للكمال، وأمثال ما لا يعقل معناه كثير.
وأما القسم الثالث: وهو ما عقل معناه إلا أنه لا نظير له في الشرع، ولا يظهر له ما يشاركه في ذلك المعنى، فإما أن يكون ذلك المعنى بسيطا وإما أن يكون جملة معان لا يوجد جميعها في نوع واحد.
أما الأول: فكالسفر، فإنه مشتمل على نوع من المشقة معقول التأثير
في القصر، ولا يشاركه غيره من الصنائع في ذلك النوع من المشقة، المناسبة للقصر، فلا يلحق به غيره فيه، وأما المرض: فإنما ثبت فيه الفطر والجمع بالنص لا بالقياس.
وأما القصر: فإن مشقة المرض لا تناسبه، بل تناسب التخفيف على المريض بمشروعية الجلوس والإيماء في الصلاة.
ومن أمثال هذا القسم: الشفعة في العقار، فإنها معقولة المعنى، وهو لحوق نوع من الضرر بالشريك، في العقار، لا يشترك مع العقار فيه، غيره.
ومن أمثاله: ابتداء المدعين في القسامة بالأيمان: تحصينا للدماء، لغلبة الخفية والغيلة في القتل، بحيث يعسر الإشهاد، والقاتل يستخف الأيمان كما يستخف القتل، ويصر على الإنكار في غالب الأمر، فلذلك ابتدأ المدعون في القسامة بالأيمان، وقد يكون هذا مما يجتمع فيه عدة مناسبات، فيكون من الثاني.
وأما الثاني: وهو ما تجتمع فيه عدة مناسبات، لا تجتمع في غيره، فكضرب الدية على العاقلة في قتل الخطأ، فإنه معقول المعنى، ولذلك كانت تفعله الجاهلية قبل الشرع، وكان الشرع مقرا له، ووجه المصلحة فيه أن الحاجة ماسة إلى مخالطة السلاح وتعلم الحرب والطعان والضراب بها حتى أبيح الصيد من غير ضرورة ولا حاجة، بل لما في ذلك من حصول آلة الحرب، ولما كانت النفس جريرة خطيرة لا تهدر، ولم يتعمد القاتل جناية القتل، فلو أقدناه به أو حملناه المال كله عليه لقطع مخالطة السلاح حتمًا لما يتوقف من ذلك، فكان من النظر السديد ضرب الدية على العاقلة إذ لا كبير حيف عليهم في ذلك لخفتها عليهم بالتوزيع، مع أن ذلك ينجبر بما بينهم من التعاضد والتناصر الذي جبلت عليه القبائل فيما بينها، ولهذا