الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة العاشرة: اختلفوا في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده
؟
فجمهور الأصوليين والفقهاء: على أن الأمر بالشيء نهي عن
ضده ومنهم من قال: ليس نهيًا عن ضده، وهذه المسألة قريبة من التي قبلها.
وحجة الجمهور: أن ضد المأمور به إما أن يكون مأمورًا به أو منهيًا عنه أو مباحًا، ولا يصح أن يكون مأمورًا به، لأنه لا يصح الأمر بالضدين لاستحالة الجمع بينهما، ولا يصح أن يكون مأمورا به، لأنه لا يصح الأمر بالضدين لاستحالة الجمع بينهما، ولا يصح أن يكون مباحا وإلا لجاز له فعل الضد، ويفضي جواز فعل ضد المأمور به إلى جواز ترك المأمور به لاستحالة الجمع بين الضدين، فإذا ضد المأمرو به فقد ترك المأمور به، لكن ترك المأمور به لا يجوز، ففعل ضده لا يجوز.
وتظهر فائدة الخلاف في أن العبادة المأمور بها لا ينهي عن ضدها، ما لم يفض فعل الضد إلى فواتها، فالقيام في الصلاة مأمور به فإذا جلس ثم تلافي القيام المأمور به لم تبطل صلاته، لأن جلوسه ذلك غير منهي عنه، لأن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده.
والجمهور يرون أن الجلوس منهي عنه، لأنه ضد القيام المأمور به، فإذا جلس من قيامه في أثناء صلاته عمدًا بطلت صلاته، وإن أمكنه
التلافي، لأن المصلي قد فعل في صلاته فعلاً منهيًا عنه، فوجب أن تبطل صلاته.
وكذلك إذا سجد على مكان نجس، فعند الجمهور تبطل صلاته، لأنه مأمور بالسجود على مكان طاهر، والأمر بالشيء نهي عن ضده، فالسجود على مكان نجس منهي عنه، فوجب أن تبطل صلاته، لفعله ما نهى عنه.
وأبو يوسف من الحنفية يأمره بإعادة السجود على مكان طاهر.
ويجزيه، لأن المأمور به السجود على مكان طاهر، وقد أتى به، وأما السجود على مكان نجس فليس بمنهي عنه، لأن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده.
وقد اختلفت الشافعية فيمن أودع رجلا وديعة وأمره أن يجعلها في مكان معين، فإن لم ينهه عن جعلها في مكان آخر، فنقلها المودع إلى غير ذلك المكان الذي عين له المودع، ثم ضاعت منه، لم يضمن، إذ كان الموضع المنقول إليه مثل الأول في الحرز والحفظ.
وأما إن نهاه عن جعلها في مكان آخر فنقلها هو إلى غيره مما هو مثله في الحرز والحفظ ففي ضمانه قولان:
- فمن رأى أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، يرى أنه لا فرق بين أن يقول له:«اجعل هذه الوديعة في الموضع الفلاني» ، ويسكت، أو يقول له:«اجعلها فيه ولا تجعلها في غيره» ، فكما أنه لا ضمان عليه إذا سكت المودع عن النهي، فكذلك لا ضمان عليه إذا تلفظ بالنهي.
ومن رأى أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده، لم ير على المودع ضمانًا إن لم يصرح له بالنهي عن وضع الوديعة في غيره، إذ لا
تعدي في فعل المودع، وأما إذا صرح له بالنهي تحقق حينئذ حصول التعدي من المودع فوجب ضمانه.
واعلم أن ابن خويز منداد ذكر أن مذهب مالك رحمه الله أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وأخذ ذلك من كون مالك رحمه الله يقول بمفهوم المخالفة، وسيأتي الكلام في المفهوم إن شاء الله.
فهذا تمام الكلام في الأمر.