الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: في المؤول
اعلم: أن المؤول متضح الدلالة في المعنى الذي تؤول فيه، فيه، لأنه راجح فيه، إلا أن رجحانه لما كان بدليل منفصل كان في اتضاح دلالته ليس كالظاهر.
ولما كانت أسباب الظهور ثمانية، كانت التأويلات ثمانية.
التأويل الأول: حمل اللفظ على مجازه لا على حقيقته
وقد قدمنا أن الحقيقة لغوية وشرعية وعرفية، وفي مقابلة كل حقيقة مجاز.
أما المجاز اللغوي فمثاله: احتجاج أصحابنا على أن من وجد
سلعته عند المفلس فهو أولى بها من سائر الغرماء، بقوله صلى الله عليه وسلم: أيما رجل أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه.
فتقول الحنفية: صاحب المتاع هو حقيقة فيمن المتاع بيده، وهو المفلس، ومجاز فيمن كانت بيده، لأن إطلاق اللفظ المشتق بعد ذهاب المعنى المشتق منه مجاز، ولذلك لم يطرد، ألا ترى أن من كان كافرا ثم أسلم فإنه لا يسمى كافرا، فدل على أن إطلاق اللفظ باعتبار الماضي مجاز.
والجواب عند أصحابنا: أن الدليل دل على تعين المجاز، ألا ترى أنه لو أريد به المفلس لم يكن لاشتراط التلفليس معنى، ولقال: فهو أحق بمتاعه فلما أتي في الحديث بالظاهر دون المضمر دل أنه أراد به غير ما يراد بالمضمر.
وأما المجاز الشرعي، فمثاله: احتجاج الحنفية ومن وافقهم من أصحابنا على ان الزنا يوجب حرمة المصاهرة، بقوله تعالى:{ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} فإن المراد به: ولا تطئوا من زني بها الأب، ومن زنى بها الأب، فهي موطوءة له، فوجب أن يحرم وطؤها، على الابن.
فيقول الشافعية ومن وافقهم من أصحابنا: إنما المراد به العقد، لأن النكاح حقيقة شرعية فيه، ومجاز شرعي في الوطء.
والجواب عند الأولين: أن الوطء يتعين أن يكون هو المراد في الآية لقوله تعالى: {إلا ما قد سلف} وذلك أن العرب كانت في
الجاهلية تخلف الاباء في نسائهم، وإنما كانوا يخلفونهم في الوطء لا في العقد، لأنهم لم يكونوا يجددون عليهن عقدا، بل كانوا يأخذونهن بالإرث، ولذلك قال الله تعالى:{يا أيها الذين أمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} وأيضا فقد قال تعالى: {إنه كان فاحشة} والفاحشة: الوطء لا العقد
وأما المجاز العرفي: فمثاله: احتجاج المالكية على ان الظهار يلزم السيد في أمته، بقوله تعالى:{والذين يظهرون من نسائهم} الاية، والأمة من نسائنا.