الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب الأول: الحقيقة
وهي في مقابلة المجاز
والحقيقة: اللفظ المستعمل فيما وضع له كإطلاق لفظ الأسد على الحيوان المفترس، والمجاز: هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بينه وبين ما وضع له، كإطلاق لفظ الأسد على الرجل الشجاع فإذا كان اللفظ محتملا لحقيقته ومجازه فإنه راجح في الحقيقة.
والحقيقة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
حقيقة لغوية وفي مقابلتها مجاز لغوي.
وحقيقة شرعية وفي مقابلتها مجاز شرعي.
وحقيقة عرفية وفي مقابلتها مجاز عرفي.
أما الحقيقة اللغوية، فمثالها: ما احتج به اصحاب الشافعي وابن حبيب من أصحابنا على أن خيار المجلس مشروع، وذلك بقوله: صلى الله عليه وسلم: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا.
فيقول أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة: إنما المراد بذلك المتساومان، وافتراقهما هو بالقول، أي هما في حال تساومهما بالخيار ما لم يبرما العقد ويمضياه، فإذا أمضياه فقد افترقا، ولزمهما العقد، وقد يطلق اسم الشيء على ما يقاربه، كقوله صلى الله عليه وسلم لا يبيع أحدكم على بيع أخيه، ولا ينكح على نكاحه، وإنما المراد بالبيع السوم وبالنكاح الخطبة، لأن السوم وسيلة للبيع والخطبة وسيلة للنكاح، فقد ورد في رواية أخرى لا يسم أحدكم على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبته.
والجواب عند أصحاب الشافعي: إن إطلاق المتباعيين على المتساومين مجاز، وإطلاق التفرق على تمام العقد مجاز، والأصل في الكلام الحقيقة.
وأما الحقيقة الشرعية: فقد اختلف الأصوليون في وقوعها والجمهور منهم يعترفون بوقوعها، ويحتجون على ذلك بالاستقراء، فإنا لما استقرأنا لفظ الصلاة والزكاة والصيام والحج، وجدناها إنما استعملت في لسان الشرع للعبادات الشرعية، وإذن ثبت وقوع الحقائق الشرعية.
فماله: احتجاج أصحابنا أن المحرم لا يتزوج في حال إحرامه
بقوله صلى الله عليه وسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح.
فيقول أصحاب أبي حنيفة: يحتمل أن يريد بالنكاح الوطء، كما قال الشاعر:
كبكر تشهي لذيذ النكاح
…
وتفرق من صولة الناكح
وإذا كان المراد به الوطء دل الخبر على حرمة الوطء على المحرم لا على حرمة العقد.
والجواب عند اصحابنا: إن إطلاق النكاح على الوطء مجاز شرعي، وعلى العقد حقيقة شرعية، وحمل اللفظ الشرعي على حقيقته الشرعية أولى من حمله على المجاز الشرعي.
وأما الحقيقة العرفية، فمثالها: ما إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق، وقال: أردت من وثاق، فإن الطلاق بمعنى الإطلاق، وهو حقيقة لغوية في المحل من وثاق أو غيره، فيقال: هذا اللفظ حقيقة عرفية في حل عصمة النكاح، مجاز في الوثاق، وحمل اللفظ على حقيقته العرفية أولى من حمله على المجاز العرفي.
ومثاله من كلام الشارع: ما احتج به أصحابنا على أن البكر يجبرها أبوها على النكاح وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: لا تنكحُ اليتيمة حتى
تستأمر. واليتيمة هي التي لا أب لها، فمفهومه: أن غير اليتيمة 0 وهي ذات الأب - تنكح من غير استئمار.
فيقول المخالف: اليتم في اللغة هو الانفراد، ولذلك يقال للبيت المنفرد من الشعر يتيم، وللذي لا نظير له يتيم، وإذا ثبت ذلك فقد يكون المراد باليتيمة التي لا زوج لها، كما اراد الشاعر بقوله:
إن القبول، تنكح الأيامي
…
النسوة الأرامل اليتامى