الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكروه؟ بناء على قوله صلى الله عليه وسلم: لا تستقبلوا القبلة لبول ولا غائط ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا، هل ذلك محمول على التحريم أو على الكراهة؟
المسألة الثانية: في النهي هل يدل على فساد المنهي عنه أو لا
؟
في ذلك خلاف بين الأصوليين، والجمهور منهم على أنه يدل على فساد المنهي عنه إلا ما خرج بدليل منفصل.
وحجتهم في ذلك أن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم لم يزالوا يحتجون على فساد بياعات وأنكحة كثيرة بصدور النهي عنها، ولم ينكر بعضهم على بعض ذلك الاستدلال، بل يعارض بعضهم بعضا بأدلة أخرى.
وعلى هذا الأصل اختلف الفقهاء في نكاح الشغار، هل يفسخ أو لا؟
فالمالكية والشافعية يحكمون بفسخه، والحنفية لا تحكم بذلك،
وفي الحديث: {إن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن نكاح الشغار} فمن رأي أن النهي يدل على فساد المنهي عنه حكم بفسخ نكاح الشغار، ومن رأي أنه لا يدل على فساده لم يحكم بفسخه؟
ومنه بيع وشرط، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: نهي عن بيع وشرط.
ومنه بيع وسلف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم:"نهي عن بيع وسلف".
ومنه الصلاة في الدار المغصوبة، لأنه منهي عنها، ففي فسادها خلاف.
وكذلك الصلاة في الأوقات الممنوعة والأمكنة الممنوعة، ففي جميع ذلك خلاف بناء على أن النهي يدل على فساد المنهي عنه.
وتحقيق المذهب أن النهي عن الشيء إن كان لحق الله تعالى فإنه
يفسد المنهي عنه، وإن كان لحق العبد فلا يفسد المنهي عنه، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن التصرية، فقال:{لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر} ، فلم يحكم صلى الله عليه وسلم بفسخ البيع، ولو كان مفسوخًا لم يجعل للمشتري خيارًا في الإمساك، فلما جعل له الخيار في الإمساك دل على أنه لم يفسخه، وذلك لأن الحق فيه للعبد إلا لله تعالى.
وإن كان النهي فيه لحق الله تعالى فإنه فاسد، ولذلك قلنا: إن البيع وقت النداء للجمعة يفسخ، لأنه منهى عنه لحق الله تعالى، وهذا
هو وجه تفرقة أكثر الرواة بين ما يفسخ من النكاح المنهي عنه بطلاق، وما يفسخ بغير طلاق، فإنهم قالوا: كل نكاح كان للزوج أو للزوجة أو للولي إمضاؤه وفسخه فإنه يفسخ بطلاق، لأن النهي فيه ليس إلا لحق من له الخيار فالنكاح في نفسه منعقد ليس بفاسد.
وأما كل نكاح لا خيار فيه لأحد الثلاثة، بل يجب فسخه على كل حال فإنه يفسخ بغير طلاق، لأن الفسخ فيه ليس لحق أحد منهم، ولو كان لحق أحد منهم لسقط الفسخ بإسقاطه حقه، فلما لم يسقط الفسخ بإسقاط أحدهم علمنا أن الحق فيه لله تعالى فكان فاسدًا غير منعقد، فلا يحتاج في فسخه إلى طلاق، لأن الطلاق إنما هو حل العقد، فحيث لا عقد فلا حل، فهذه قاعدة المذهب، وما خرج عن هذا فإنما هو لدليل منفصل.
واعلم أن النهي يقتضي الدوام والفور، وكون ضد المنهي عنه
مأمور به، كما أن ضد المأمور به منهي عنه.
وما ذكرنا من مسائله هو المهم في الفقه.