الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في التواتر
اعلم أن الأصل المستدل به: إما من الكتاب وإما من السنة.
فأما الكتاب فلابد من كونه متواترًا، فإن لم يكن متواترًا لم يكن قرآنا. فالاعتراض على من احتج بدليل يزعم أنه من القرآن ولم يكن متواترًا بإبطال كونه متواترًا.
ومثاله: احتجاج أصحاب الشافعي على أن خمس رضعات هي التي توجب الحرمة، فإن كانت أقل فلا حرمة بما في صحيح مسلم عن
عائشة رضي الله عنها قالت: {كان فيما أنزل من القرأن عشر رضعات معلومات يحرمن} فنسخن بخمس رضعات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن
مما يقرأ من القرآن.
فيقول أصحابنا: هذا باطل، لأنه لو كان قرآنا لكان متواترًا، وليس بمتواتر، فليس بقرأن.
والجواب عندهم: إن التواتر شرط في التلاوة لا شرط في الحكم، وقصد المستدل بهذا إثبات حكم الخمس لا إثبات تلاوتها، فهذا جواب الشافعية عن هذا الاعتراض.
ومن ذلك استدلال الحنفية على أن المكفر إذا حنث بالله فصيام ثلاثة أيام من شرطه أن تكون متتابعة، فإن فرقها لم تجزه لقراءة ابن
مسعود: فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
فيقول أصحابنا: هذه الزيادة ليست من القرآن، فإنها غير متواترة، ومن شرط القرآن أن يكون متوترًا.
وكذلك احتجت الحنفيةعلى أن الفيئة في الإيلاء إنما محلها الأربعة الأشهر لا بعدها بقراءة أبي بن كعب، فإن فاءوا فيهن فإن الله غفور رحيم، وأصحابنا يقولون: إنما الفيئة بعد تمام الأربعة الأشهر.
ويعترضون على الحنفية بأن تلك الزيادة التي في قراءة أبي بن كعب
ليست من القرآن، لأنها لم تتواتر، ومن شرط القرآن أن يكون متواترًا.
والجواب عندهم: أن هذه الزيادة إما أن تكون قرآنا أو خبرا، لأنه إن لم تكن واحدًا منها حرم على القاريء أن يقرأ بها لما في ذلك من التلبيس.
وإذا كانت إما قرآنا وإما خبرا وجب العمل به، والتواتر ليس بشرط في وجوب العمل بل في التلاوة كما تقدم.
وأما السنة: فإنه لا يشترط في الخبر المستدل به أن يكون متواترًا عند المحققين من الأصوليين، اللهم إلا أن يكون ذلك رافعًا لمقتضى القرآن بالقطع فإنه يجب حينئذ أن يكون الخبر متواترًا.
ومثال ذلك: ما يحتج به جمهور الأئمة، والرواية المعمول بها عن مالك عندنا في المسح على الخفين من الأخبار الواردة في ذلك عن
الصحابة قولا وفعلا، حتى نقل ذلك أصحاب المقالات عن سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيقول المخالف: هذه لكها أخبار آحاد فلا ترفع ما اقتضاه القرآن من اعتبار الرجلين في قوله تعالى: وأرجلكم.
والجواب عندهم: أن تلك الأخبار وإن لم يتواتر كل واحد منها بانفراده، فما تضمنه جميعا من جواز المسح على الخفين متواتر، وهذا هو المسمي بالتواتر المعنوي، كشجاعة علي وجود
حاتم إذ لم ينقل إلينا عن علي رضي الله عنه أو عن حاتم قضية معينة متواترة تقتضي الشجاعة أو السخاء.
وإنما نقلت وقائع متعددة كل واحد منها بخبر الواحد لكن
تضمن جميعا معنى واحد مشتركًا بينها، وهو الشجاعة أو السخاء.
أو التواتر اللفظي فكالقرآن.