الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتقول الشافعية والحنفية: هذا اللفظ، مخصوص في العرف بالزوجات، ولذلك قال تعالى:{قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} والمراد بنساء المؤمنين: الحرائر بالاتفاق.
وأيضا، فإن امرأة فلان، مخصوصة في العرف بزوجته، ولا يتناول في العرف أمته، ونساء المؤمنين، دال على مدلول جمع المرأة، وإن كان من غير لفظه، ولذلك استغني به عن جمع المرأة.
والجواب عند المالكية: إن الظهار كان طلاقا في الجاهلية، فكان مخصوصا بالزوجات، فلما نسخ ورجع إلي تحريم الاستمتاع، وكان الاستمتاع عاما في الزوجات، والاماء قبلت الأمة التحريم بالظهار، كما تقبله الزوجة، ولذلك كان التحريم عامًا في الحرائر والإماء.
التأويل الثاني: الاشتراك
وهذا في الحقيقة ليس بتأويل، لأن الاشتراك أقرب إلى
الإجمال، لكن إذا أثبت المستدل أن اللفظ حيقة في كل واحد من المعنيين اللذين يحتملهما اللفظ فله بعد ذلك أن يرجع أحد المحتملين بأدني مرجح، ويكفيه ذلك.
فأما إذا كان اللفظ مجازا في مراد المستدل، فلابد من بيان مرجح أقوي من الأصل المقتضى لإرادة الحقيقة، فلذلك يدخل في كلام المستدل وينتفع به.
ومثاله: احتجاج اصحابنا على العدة بالاطهار، لا بالحيض، بقوله تعالى:{والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} والقرء مشترك بين الطهر والحيض لغة، لكن الأولى حمل الاية على الأطهار، لأنها محل الطلاق، فينبغي أن يحصل التريض المأمور به منهن، عقب الطلاق بدارا منهن إلى المأمور به، لا سيما وقد علق سبحانه التربص على الوصف المشتق، وهو قوله والمطلقات فكان مشعرا بكون الطلاق علة التربص، فإذا حملت الاية على الطهر اتصل المعلول بعلته، وإذا حملت على الحيض لم يتصل المعلول بعلته بل تتراخي عنها، واتصال المعلول بعلته أولى.
فيقول الحنفية: ما ذكرتم لا يعارض الأصل المقتضي لإرادة الحيض، ولفظ القرء حقيقة في الحيض مجاز في الطهر، وذلك أن القرء أصله في اللغة: إما الجمع من قولهم: قرأت الماء في الحوض، أي جمعته ومنه سمي القرآن قرآنا، ومنه قول الشاعر:
هجان اللون لم تقرأ جنينا
وإما الانتقال والتغيير من قولهم: قرأ النجم إذا طلع، وقرأ إذا غاب، فإن كان القرء مأخوذا من الاجتماع فزمان الحيض أولي به، لأنه زمان للقطرات المجتمعة بخلاف زمان الطهر، لأنه زمان خلو الدم.
وإن كان مأخوذا من الانتقال والتغيير، فزمان الانتقال من الحالة الأصلية إلى الحالة العارضة، أولى به من العكس، وهو الانتقال عن الطهر إلى الحيض، لا الانتقال عن الحيض إلى الطهر.
وأيضا، فالانتقال إلى الحيض أسبق الانتقالين، فكانت تسميته قرءا أرجح، وإذا كان كذلك فالأولى حمل لفظ القرء على الحيض لا على الطهر.
وأما قولكم: اتصال التربص بالطلاق أولى، قلنا لا يلزم ذلك، لأنه يقال للرجال: وقت الظهيرة تربص ثلاث ليال، ولا يقال: إن ذلك خروج عن ظاهر أو أصل.
والجواب عند أصحابنا: أن اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في المسألة - وهم أهل اللغة - دليل على كون اللفظ حقيقة في كل واحد من المعنييين لغة.
وأما قولكم: زمان الحيض أولى باسم القرء، لأنه زمان اجتماع الدم فباطل، بل زمان الطهر أولى به، لأنه في الحقيقة هو زمان اجتماع الدم في الرحم إلى أن يكثر، فيندفع فيخرج.
وأما إن أخذ من الانتقال فكذلك، لأنها لما طلقت في الطهر اعتدت بانتقالها الأول منه إلى الحيض فهو أسبق الانتقالين وأولادهما، إذ هو انتقال من الحالة الأصلية إلى الحالة العارضة، كما ذكرتم، ثم كذلك في الانتقال الثاني من الطهر إلى الحيض، ثم كذلك في الثالث، فتحل بدخول الحيض الثالثة لحصول ثلاثة انتقالات من حالة أصلية إلى حالة عارضة.