الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلك الأول: النص
وهو قسمان: صريح وإيماء
فالصريح: أن يأتي الشارع بصيغة العلة، كقوله سبحانه:{كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} وكقوله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة التي دفت عليكم. وقوله صلى الله عليه وسلم: تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم، في المحرم الذي وقصت
به ناقته: لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. وكقوله في الشهداء يوم أحد: زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يبعثون يوم القيامة وجراحهم تشخب دما. فهذا وأمثاله صريح في التعليل ولذلك عدت الشافعية هذين المسلكين إلى كل محرم وشهيد.
ومثله قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما} ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ملكت نفسك
فاختاري"، وهو كثير.
وأما الإيماء فهو مراتب.
المرتبة الأولى: أن يذكر صلى الله عليه وسلم مع الحكم وصفا يبعد أن يأتي به لغير التعليل، كقوله صلى الله عليه وسلم في الهرة: إنها ليست بنجس،
وإنما هي من الطوافين عليكم والطوافات»، فلو لم يكن التطواف علة لنفي النجاسة لم يكن لذكره مع هذا الحكم فائدة، لأنه قد علم أنها من الطوافات.
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها» . فلولا أن فعلهم ذلك سبب لعنتهم لم يكن للإخبار عن فعلهم بالدعاء عليهم فائدة.
المرتبة الثانية: الاستنطاق بوصف يعلمه الشارع خاليًا من التنازع ليرتب عليه الجواب، ولو لم يكن للتعليل لكان استنطاقه عن وصف يعلمه خالياً عن الفائدة.
وهذ: كما سئل صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر، فقال:«أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذن» .
وكذلك: لما سألته الخثعمية فقالت: «يا رسول الله إن أبي أدركته الوفاة وعليه فريضة الحج، أفأحج عنه؟ فقال: أرأيت لو كان على أبيك دين، أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى» .
المرتبة الثالثة: أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم حكمًا عقب علمه بواقعة حدثت، فيعلم أن تلك الواقعة سبب ذلك الحكم.
كما روي أن أعرابياً قال: يا رسول الله: هلكت وأهلكت، واقعت أهلي في نهار رمضان، فقال: اعتق رقبة»، فكأنه، قال: إذا واقعت فكفر.
فأما الشافعية فحملته على الوقاع، وقالت: إنه العلة بنفسه في الكفارة، فلم توجبها على من أكل أو شرب في رمضان عمدًا.
وأما الحنفية فأناطت الكفارة بمعنى يتضمنه الوقاع، وهو اقتضاء شهوة يجب الإمساك عنها، فإن الصيام عبارة الإمساك عن اقتضاء شهوة البطن وشهوة الفرج فلذلك أوجبوا الكفارة على من أكل عمدًا في
رمضان، لما فيه من اقتضاء الشهوة التي منع الصيام منها، ولم يوجبها فيما لا شهوة في اقتضائه، كابتلاع حصاة أو نواة.
وأما المالكية: فألغت الشهوة عن درجة الاعتبار، وإنما وجبت الكفارة عندهم على الجنابة على الصوم بتعمد الإفساد مطلقا فأوجبوا الكفارة بابتلاع الحصاة والنواة.
وهذا يسمى عند الأصوليين بتنقيح المناط، وهو: أن يحذف من محل الحكم ما لا مدخل له فيه: ويبقى ماله فيه مدخل واعتبار، وما روي عن ابن القاسم، فيمن ابتلع حصاة فعليه الكفارة من غير قضاء بعيد في النظر، لخروجه عن المآخذ التي قدمناها.
المرتبة الرابعة: أن ينقل الراوي فعلا صدر من النبي صلى الله عليه وسلم أو
من غيره، فيرتب عليه حكما منه صلى الله عليه وسلم، فإنه يفيد تعليل ذلك الحكم بذلك الفعل.
كقول الراوي: سها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد، فإن هذا يشعر بأن السهو علة السجود، فلذلك لم يرتب ابن القاسم سجودا على من ترك سنة من سنن الصلاة عمدًا، خلافا لأشهب، فإنه
أوجب السجود قبل السلام، نظرا منه إلى أن النقصان علة السجود، سهوا كان أو عمدًا.
ومن ذلك: قول الراوي: زنى ماعز، فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم،