الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأَبِيهِ إِلَاّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لله تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} (1).
فقد كان إبراهيم كثير الدعاء، حليماً عمّن ظلمه، وأناله مكروهاً، ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله:{أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَاّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا} (2).
فحلم عنه مع أذاه له، ودعا له، واستغفر (3)، ولهذا قال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} (4).
وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين، كانوا من أعظم الناس حلماً مع أقوامهم في دعوتهم إلى الله تعالى (5).
الصورة الحادية عشر: مع من سبّ
ومن وراء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، يأتي الدعاة إلى الله والصالحون من أتباعهم، وإذا كان الله عز وجل قد جعل محمداً صلى الله عليه وسلم مثلاً عالياً في الحلم، فقد أراد لأتباعه أن يسيروا على نهجه وسنته، ولذلك يقول الله
(1) سورة التوبة، الآية:114.
(2)
سورة مريم، الآيات: 46 - 48.
(3)
انظر: تفسير ابن كثير، 2/ 396، والبغوي، 2/ 332، والأخلاق الإسلامية للميداني، 2/ 332.
(4)
سورة التوبة: الآية: 114.
(5)
انظر: تفسير ابن كثير، 2/ 114، وموسوعة أخلاق القرآن للشرباصي، 1/ 185.
- تعالى - عن الأخيار من هؤلاء: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (1).
فمن صفاتهم أنهم أصحاب حلم، فإذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيراً كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً (2).
فعن النعمان بن مقرن المزني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبّ رجل رجلاً عنده، فجعل المسبُوبُ يقول: عليك السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أما إنَّ ملكاً بينكما يذبّ عنك كلما يشتمك هذا، قال له: بل أنت وأنت أحقّ به، وإذا قال له: عليك السلام، قال: بل لك، أنت أحق به)) (3).
فهؤلاء الدعاة إلى الله والصالحون إذا خاطبهم الجاهلون قالوا صواباً وسداداً، ويردّون المعروف من القول على من جهل عليهم (4)؛ لأن من أخلاقهم العفو والصفح عمن أساء إليهم، فقد تخلّقوا بمكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعةً، حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله كظموا ذلك الغضب فلم يُنفِّذُوه، {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ
(1) سورة الفرقان، الآية:63.
(2)
انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 2/ 310، والإصابة في تمييز الصحابة، 1/ 556، ومجمع الزوائد، 8/ 240.
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند، 5/ 445، وقال ابن كثير في تفسيره، 3/ 326:((إسناده حسن)).
(4)
انظر: تفسير ابن كثير، 3/ 326.