الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الخير، وليس شيء أثقل في الميزان من الخُلُق الحسن)) (1).
الصورة الثالثة: مع من بال في المسجد:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ (2)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزرموه (3)، دعوه))، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن))، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه (4) عليه (5).
وقد ثبت في البخاري وغيره أن هذا الرجل هو الذي قال: ((اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً))، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني
(1) أخرجه أحمد في المسند، 6/ 451، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 876، وذكر له شواهد كثيرة.
(2)
مه: كلمة زجر، وهو اسم مبني على السكون، معناه: اسكت. وقيل: أصلها: ما هذا؟ انظر: شرح النووي، 3/ 193.
(3)
لا تزرموه: أي لا تقطعوا عليه بوله. والإزرام: القطع. انظر: المرجع السابق، 3/ 190.
(4)
شنه: أي صبه عليه. انظر: المرجع السابق، 3/ 193.
(5)
أخرجه مسلم بلفظه في كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها، برقم 286، والبخاري، بمعناه مختصراً في كتاب الوضوء، باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد، برقم 219، وروايات بول الأعرابي في البخاري في عدة مواضع منها: برقم 219، 220، 221، وقبل الحديث رقم 222.
ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي:((لقد حجّرت واسعاً)) يريد رحمة الله (1).
وتُفسّر هذه الرواية الروايات الأخرى عند غير البخاري، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخل رجل أعرابي المسجد فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً! فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((لقد تحجّرت واسعاً))، ثم لم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع الناس إليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنما بُعثتم مُيسِّرين، ولم تُبعثوا مُعسِّرين، أهريقوا عليه دلواً من ماء، أو سجلاً من ماء)) (2).
قال: يقول الأعرابي بعد أن فقه: ((فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليّ بأبي وأمي فلم يسبّ، ولم يؤنّب، ولم يضرب)) (3).
النبي صلى الله عليه وسلم أحكم خلق الله، فمواقفه وتصرفاته كلها مواقف حكمة مشرفة، ومن وقف على أخلاقه ورفقه وعفوه وحلمه، ازداد يقينه وإيمانه بذلك.
وهذا الأعرابي قد عمل أعمالاً تثير الغضب، وتسبّب عقوبته وتأديبه من الحاضرين؛ ولذلك قام الصحابة إليه، واستنكروا أمره، وزجروه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطعوا عليه بوله.
(1) البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، برقم 6010.
(2)
أخرجه الترمذي بنحوه في كتاب الطهارة، باب ما جاء في البول يصيب الأرض، برقم 147، وأخرجه أحمد في المسند بترتيب أحمد شاكر واللفظ لأحمد، 12/ 244، برقم 7254، وأخرجه أحمد أيضاً مطولاً، 20/ 134، برقم 10540، وأبو داود، برقم 380.
(3)
أخرجه أحمد في المسند بترتيب أحمد شاكر وهو تكملة للحديث السابق من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، 20/ 134، برقم 10540، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب الأرض يصيبها لبول كيف تغسل، برقم 529.