الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
إن العدل خلاف الجور، وقد أمر الله عز وجل به في القول والحكم، فقال تعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (2)، وقال:{وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} (3).
ولاشك أن هذا الموقف الحكيم وغيره من مواقفه صلى الله عليه وسلم مما يوجب على الدعاة تطبيقها أسوة به صلى الله عليه وسلم (4).
المطلب الثالث: التواضع
يقال: تواضع: تذلّل وتخاشع (5)، والمراد بالتواضع: إظهار التنزل لمن يراد تعظيمه، وقيل: تعظيم من فوقه لفضله (6).
والتواضع صفة عظيمة وخلق كريم يجب على الدعاة إلى الله تعالى، وغيرهم، ولهذا مدح الله المتواضعين فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ
(1) البخاري بنحوه مختصراً في كتاب الحدود، باب إقامة الحد على الشريف والوضيع، برقم 6787، وباب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان، برقم 6788، ورواه مسلم بلفظه في كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم 1688، وانظر: شرح النووي، 11/ 186، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري، 12/ 95، 96.
(2)
سورة الأنعام، الآية:152.
(3)
سورة النساء، الآية:58.
(4)
انظر مواقف حكيمة في هذا الشأن في: سنن أبي داود، 2/ 242، والترمذي، 3/ 137، والنسائي، 7/ 64، وانظر أيضاً: البخاري مع الفتح، 3/ 292، 2/ 143، 11/ 312،
12/ 112، ومسلم، 3/ 458، وهذا الحبيب يا محبّ، ص534، 535.
(5)
القاموس المحيط، ص997.
(6)
فتح الباري، 11/ 341.
يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (1)، أي يمشون في سكينة ووقار متواضعين غير أشرين ولا متكبّرين، ولا مرحين، فهم علماء، حلماء، وأصحاب وقار وعفّة (2).
والدعاة إلى الله تعالى إذا تواضعوا رفعهم الله في الدنيا والآخرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه)) (3).
وهذا ما يفتح الله به للداعية قلوب الناس؛ فإن الله يرفعه في الدنيا والآخرة، ويثبت له بتواضعه في قلوب الناس منزلة ويرفعه عندهم ويجلُّ مكانه (4)، أمَّا من تكبر على الناس فقد توعده الله بالذلّ والهوان في الدنيا والآخرة؛ لأن الله عز وجل ((العزُّ إزاره، والكبرياءُ رداؤه فمن ينازعه ذلك عذّبه)) (5).
وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تُسمّى العضباء وكانت لا تُسْبَقُ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتدّ ذلك على المسلمين وقالوا: سُبِقَتِ العضباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)) (6).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة للدعاة فقد كان متواضعاً في دعوته للناس، فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلّمه
(1) سورة الفرقان، الآية:63.
(2)
انظر: مدارج السالكين، 2/ 327.
(3)
مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو والتواضع، برقم 2588.
(4)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 142.
(5)
مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الكبر، برقم 2620،ولفظه:((فمن ينازعني عذبته)).
(6)
البخاري، كتاب الرقائق، باب التواضع، برقم 6501.
فجعل ترعُد فرائصه فقال له: ((هوِّن عَليكَ نفسك فإني لستُ بِمَلِكٍ، إنما أنا ابن امرأةٍ كانت تأكل القديد)) وزاد الحاكم في روايته عن جرير بن عبد الله: ((
…
في هذه البطحاء))، ثم تلا جرير:{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (1).
فعلى الدعاة أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان متواضعاً في دعوته مع الناس، فكان يمرّ بالصبيان فيسلّم عليهم، وتأخذه بيده الأمة فتنطلق به حيث شاءت، وكان في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء، فكان متواضعاً من غير ذلّة، جواداً من غير سَرَف، رقيق القلب رحيماً بكل مسلم خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم (2)، فيجب على الدعاة إلى الله عز وجل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(1) الحاكم، 2/ 446، وصححه ووافقه الذهبي، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني،
4/ 497، سورة ق، الآية:45.
(2)
انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 328 - 329.