الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: العمل بالعلم المقرون بالصدق والإخلاص
العمل بالعلم بإخلاصٍ، وصدقٍ، ورغبة في رضى الله عز وجل من أعظم المطالب التي تكتسب بها الحكمة بتوفيق الله وتسديده وفضله وإحسانه.
و
العلم هو ما قام عليه الدليل
، وهو النقل المصدق والبحث المحقق، والنافع منه ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم: علم الكتاب والسنة، والمطلوب من الإنسان هو فهم معانيهما، والعمل بما فيهما، فإن لم تكن هذه همة حافظ القرآن وطالب السنة لم يكن من أهل العلم والدين (1).
ولهذا كانت الحكمة عند العرب هي العلم النافع والعمل الصالح (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((قال غير واحد من السلف: الحكمة معرفة الدين والعمل به)) (3).
والعلم بلا عمل حجة على صاحبه يوم القيامة، ولهذا حذر الله المؤمنين أن يقولوا ما لا يفعلون، فقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (4).
ومثل من يتعلم العلم ويزداد منه ولا يعمل به مثل رجل احتطب حطباً فحزم حزمة، ثم ذهب يحملها فعجز عنها، فضمّ إليها أخرى (5).
(1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 13/ 136، 6/ 338، 23/ 54.
(2)
المرجع السابق، 19/ 170، وتفسير العلامة السعدي، 6/ 154.
(3)
درء تعارض العقل والنقل، 9/ 22، 23، وانظر: تفسير السعدي، 1/ 87.
(4)
سورة الصف، الآيتان: 2 - 3.
(5)
انظر: الزهد للإمام أحمد، ص85.
والداعية لا يكون حكيماً في دعوته ما لم يعمل بعلمه، ولهذا ينفر الناس عنه، وتزل موعظته من القلوب كما يزل القطر من الصفا؛ لأن الكلام - في الغالب - إذا خرج من القلب وقع في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان (1)، قال الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره
…
هلاّ لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
…
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما تقول ويُقتدى
…
بالعلم منك وينفع التعليم
تصف الدواء لذي السقام من الضنا
…
كيما يصح به وأنت سقيم
أراك تلقح بالرشاد عقولنا
…
نصحاً وأنت من الرشاد عديم
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم (2)
والعمل بالعلم لابد فيه من الإخلاص، والإخلاص لابد أن يقصد به وجه الله، ومحبته، ورضاه، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:((حُكيَ أن أبا حامد بلغه أن من أخلص لله أربعين يوماً تفجّرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، قال: فأخلصت أربعين يوماً، فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي: إنك أخلصت للحكمة، لم تُخْلِص لله)) (3).
وذلك أن الإنسان قد يكون مقصوده نيل العلم والحكمة، أو نيل
(1) انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، 2/ 8.
(2)
انظر: المرجع السابق، 1/ 196، ودرء تعارض العقل والنقل، 9/ 22، 23.
(3)
درء تعارض العقل والنقل، 6/ 66.