الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُّحْسِنُونَ} (1).
العائق الثاني: الأذى من الناس قولاً وفعلاً:
أعداء الحق يقابلون الإحسان بالإساءة، فالداعي إلى الله يمحض لهم النصح فيتهمونه بما ليس فيه، ويدعوهم إلى الله بالموعظة الحسنة فيردونه بالسوء، ويجادلهم بالتي هي أحسن فيقاومونه بالتي هي أخشن وأسوأ، ويصدع بينهم بالحق فلا يسمع منهم إلا الباطل.
وفوق هذا كله تمتدّ يد الباطل إلى الأموال فتنهبها، وإلى الأبدان فتعذّبها، والحرمات فتنتهكها، والأنفس فتقتلها.
وهذا ما أشار إليه رب العزة مخاطباً المؤمنين ليوطّنوا أنفسهم على الصبر والثبات: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (2).
وفي الآية: نكت لطيفة ينبغي لفت نظر الدعاة إليها:
الأولى: وصف الله سبحانه وتعالى الأذى المسموع من أهل الكتاب والمشركين بالكثرة، وهذا يدل على أن حرباً كلامية وإعلامية ستشن على أهل الإيمان.
أسلحتها: التشويه، والتشويش، والدسّ، والافتراء، والتحريف.
شعارها: الغاية تبرر الوسيلة، واكذب حتى يصدِّقك الناس.
(1) سورة النحل، الآيتان: 127، 128.
(2)
سورة آل عمران، الآية:186.
فلابُدَّ من احتمال مكارهها، والصبر على تجرّع غصصها حتى يأتي نصر الله فيحقّ الحق، ويبطل الباطل إن الباطل كان زهوقاً.
الثانية: قرن الله الصبر بالتقوى، فلابدَّ أن يجمع المؤمنون التقوى والصّبر لمواجهة هذه الحرب الضروس.
الصبر للثبات في وجه الباطل.
والتقوى للتعفّف عن مقابلة الخصوم بأسلحتهم الخبيثة، فالمؤمن لا يواجه الدسّ بالدسّ، ولا الافتراء بمثله؛ لأن المؤمنين يحكمهم قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (1).
الثالثة: قرن الله بين أهل الكتاب والمشركين هذا مع اختلاف مشربهم ووجهتهم، وفي هذا لفتة رائعة إلى أن عدواتهم للإسلام وأهله وحَّدت بينهم على اختلاف.
هذا ما قرره القرآن الكريم قبل مئات السنين، وأيده التاريخ والواقع.
لقد وجدنا اليهودية العالمية، والصليبية، والشيوعية الدولية تختلف بينها أشد الاختلاف، ثم تتناسى هذا كلّه عندما يحاربون الإسلام.
قال الله تعالى: {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (2).
وقال جل ثناؤه: {وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (3).
(1) سورة المائدة، الآية:8.
(2)
سورة الأنفال، الآية:73.
(3)
سورة الجاثية، الآية:19.
فصبر جميل، والله المستعان على ما يفعلون.
وأنبياء الله جميعاً يمثلون هذا النوع من الصبر حيث قالوا ردّاً على أذى أقوامهم: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (1).
وكان عزاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل جميعاً من قبله حدث لهم الأذى والتشويه والافتراء: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله} (2).
ومن هنا أمر الله رسوله أن يصبر على إيذاء قومه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا} (3).
ولقد ضرب سحرة فرعون - حين وقع الحق فآمنوا - مثلاً رائعاً في الصبر، فلم يفتّ من عضُدِهم، ولم يزعزع يقينَهم تهديدُ فرعون:
{
…
آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} (4).
ما هذا الوعيد الهادر (5) من طاغية جبار يقول للناس: أنا ربكم الأعلى،
(1) سورة إبراهيم، الآية:12.
(2)
سورة الأنعام، الآية:34.
(3)
سورة المزمل، الآية:10.
(4)
سورة الأعراف، الآيتان: 123 - 124.
(5)
الهادر: هدر البعير هدراً، أي ردد صوته في حنجرته، ويضرب لمن يصيح ويجلب. القاموس المحيط، (هدر).