الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحسنات والسيئات ثم بيّن ذلك فمن همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة
…
)) (1).
المطلب الثاني: خطر إرادة الدنيا بعمل الآخرة
من الخطر العظيم أن يعمل الإنسان عملاً صالحاً يريد به عرضاً من الدنيا، وهذا شرك ينافي كمال التوحيد الواجب ويحبط العمل، وهو أعظم من الرياء؛ لأن مريد الدنيا قد تغلب إرادته على كثير من عمله، وأما الرياء فقد يعرض له في عمل دون عمل ولا يسترسل معه، والمؤمن يكون حذراً من هذا وهذا.
والفرق بين الرياء، وإرادة الإنسان بعمله الدنيا: هو أن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً يجتمعان في أن الإنسان إذا أراد بعمله التزين عند الناس، ليروه ويعظِّموه ويمدحوه، فهذا رياء، وهو أيضاً إرادة الدنيا؛ لأنه تصنّع عند الناس وطلب الإكرام والمدح والثناء.
أما العمل للدنيا فهو أن يعمل الإنسان عملاً صالحاً لا يقصد به الرياء للناس، وإنما يقصد به عرضاً من الدنيا: كمن يحج عن غيره ليأخذ مالاً، أو يجاهد للمغنم، أو غير ذلك، فالمرائي عمل لأجل المدح والثناء من الناس، والعامل للدنيا يعمل العمل الصالح يريد به عرض الدنيا
(1) البخاري، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة، برقم 6491، ومسلم، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة تكتب وإذا هم بسيئة لم تكتب، برقم 131.
وكلاهما خاسر، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه (1).
وقد جاءت النصوص تدل على خسران صاحب هذا العمل في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (2).
وقال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} (3).
وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (4).
وقال تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (5).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من تعلّم علماً مما يُبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلّمهُ إلا ليُصيب به عَرَضاً من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة)) يعني ريحها (6).
وعن جابر رضي الله عنه يرفعه: ((لا تعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا
(1) انظر: فتح المجيد، ص442، وتيسير العزيز الحميد، ص534.
(2)
سورة هود، الآيات: 15 - 16.
(3)
سورة الإسراء، الآية:17.
(4)
سورة الشورى، الآية:20.
(5)
سورة البقرة، الآية:200.
(6)
أبو داود، كتاب العلم، باب في طلب العلم لغير الله تعالى، برقم 3664، وابن ماجه، المقدمة، باب الانتفاع بالعلم والعمل به، برقم 252، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 48.