الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلّوا، وما فاتكم فأتموا)) (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت)) (2).
ولِسُمُوِّ الأناة أحبها الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج:((إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة)) (3).
والرسل عليهم الصلاة والسلام هم صفوة الخلق وقدوتهم، وهم أكمل الناس أناة وحلماً، وأعظمهم في ذلك وأوفرهم حظاً محمد صلى الله عليه وسلم.
الصورة الرابعة: من تثبت سليمان صلى الله عليه وسلم
-:
ومن أمثلة ذلك قصة سليمان مع الهدهد وتثبّته وعدم عجلته، قال سبحانه عن ذلك:{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} (4).
فهذا الهدهد من جنود سليمان صلى الله عليه وسلم كان غائباً بغير إذن سليمان، وحينئذ يتعيّن أن يُؤخذ الأمر بالحزم والجدّ في تنظيم الجنود حتى لا تكون فوضى؛ فإن سليمان إذا لم يأخذ بذلك في تنظيم الجنود ومراقبتهم كان المتأخر منهم قدوة سيئة لبقية الجنود؛ ولهذا نجد سليمان النبي الملك الحازم يتهدد الجندي الغائب المخالف، ولكن سليمان ليس ملكاً جباراً في الأرض، ولا متسرّعاً عجولاً، وهو لم يسمع بعد حجة الهدهد الغائب، فلا ينبغي أن
(1) البخاري، كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة، وقوله:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله} ، برقم 908، ومسلم في المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بسكينة ووقار والنهي عن إتيانها سعيا، برقم 602.
(2)
مسلم، في كتاب المساجد، باب متى يقوم الناس للصلاة، برقم 604.
(3)
مسلم، في كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله - تعالى - ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه، برقم 17.
(4)
سورة النمل، الآيتان: 20 - 21.
يترك الأناة والتثبت ويقضي في شأنه قضاءً نهائياً قبل أن يسمع منه ويتبين عذره، ومن ثم تبرز سمة النبي العادل المتثبت {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} أي: حجة قوية واضحة توضح عذره وتنفي المؤاخذة عنه (1).
فالأناة صفة جميلة، وتكون أجمل إذا جاءت من القادر على العقاب، ولهذا قال الشاعر ابن هانئ المغربي:
وكل أناة في المواطن سؤدد
…
ولا كأناة من قديرٍ محكم
ومن يتبين أن للصفح موضعاً
…
من السيف يصفح عن كثير ويحلم
وما الرأي إلا بعد طول تَثَبُّتٍ
…
ولا الحزم إلا بعد طول تلوم
وقال الشاعر يمدح عاقلاً حكيماً:
بصير بأعقاب الأمور كأنما
…
يخاطبه في كل أمر عواقبه (2)
والداعية إلى الله عز وجل إذا تثبت، وتأمل في جميع أموره اكتسب ركناً من أركان الحكمة، وينبغي ألا يقتصر في منهجه المتكامل على التأني والتثبت في الأفعال والأقوال فحسب، بل عليه أن يجري ذلك على القلب في خواطره، وتصوراته، وفي مشاعره وأحكامه {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (3).
فلا يقول اللسان كلمة، ولا يروي حادثة، ولا يحكم العقل حكماً، ولا يبرم الداعية أمراً إلا وقد تثبّت من كل جزئية، ومن كل ملابسة،
(1) انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب، 5/ 2638، وفقه الدعوة في إنكار المنكر، لعبد الحميد البلالي، ص17.
(2)
انظر: موسوعة أخلاق القرآن، للدكتور الشرباصي، 3/ 27.
(3)
سورة الإسراء، الآية:36.