الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: النية أساس العمل
المطلب الأول: أهمية النية ومكانتها
النية: أساس العمل وقاعدته، ورأس الأمر وعموده، وأصله الذي عليه بُنيَ؛ لأنها روح العمل، وقائده، وسائقه، والعمل تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، وبها يحصل التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة (1)؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى
…
)) (2).
وهذا يدلّ على أهمية ومكانة النية، وأن الدعاة إلى الله وغيرهم من المسلمين بحاجة إلى إصلاح النية، فإذا صلحت أُعطي العبد الأجر الكبير والثواب العظيم، ولو لم يعمل وإنما نوى نية صادقة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثلُ ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)) (4)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من امرئٍ تكون له صلاة بليل فيغلبه عليها
(1) انظر: النية وأثرها في الأحكام الشرعية للدكتور صالح بن غانم السدلان، 1/ 151.
(2)
البخاري، كتاب الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم 1، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية، برقم 1907.
(3)
سورة النساء، الآية:114.
(4)
البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم 2834.
نوم إلا كُتبَ له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة)) (1).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر لا ينقص ذلك من أجره شيئاً)) (2).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)) (3).
وهذا يدل على فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه إلى عباده؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: ((لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من وادٍ إلا وهم معكم فيه))، قالوا: يا رسول الله كيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال: ((حَبَسهُمُ العُذر)) (4).
وبالنية الصالحة يضاعف الله الأعمال اليسيرة؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل جاء إليه مقنع بالحديد، فقال: يا رسول الله: أقاتل أو أسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أسلم ثم قاتل))، فأسلم ثم قاتل فَقُتِل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عمل
(1) أبو داود، كتاب التطوع، باب النعاس في الصلاة، برقم 1314، والنسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها نوم، برقم 1784، وانظر: إرواء الغليل للألباني، 2/ 204، وصحيح الجامع، 5/ 160، برقم 5567.
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها، برقم 564، والنسائي، كتاب الإمامة، حد إدراك الجماعة، برقم 855، والحاكم، 1/ 327، قال ابن حجر في فتح الباري، 6/ 137:((إسناده قويّ)).
(3)
مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب الشهادة في سبيل الله تعالى،، برقم 1909.
(4)
أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب الرخصة في القعود من العذر، برقم 2510، واللفظ له، والبخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو، برقم 2684.
قليلاً وأجر كثيراً)) (1).
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل في الإسلام، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمه الإسلام وهو في مسيره، فدخل خف بعيره في جحر يربوع فوقصه بعيره فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((عمل قليلاً وأجر كثيراً)) قالها حماد ثلاثاً (2).
وبالنية الصالحة يبارك الله في الأعمال المباحة فيثاب عليها العبد؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة)) (3)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:((إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعلُ في فِي امرأتك)) (4).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الدنيا لأربعة نفرٍ: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي به ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبدٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً فهو بأخبث المنازل، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء)) (5). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((إن الله عز وجل كتب
(1) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب عمل صالح قبل القتال، برقم 2808، واللفظ له، ومسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، برقم 1900.
(2)
مسند الإمام أحمد، 4/ 357.
(3)
البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، برقم 55.
(4)
البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، برقم 56.
(5)
الترمذي، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا مثل أربعة نفر، برقم 2325، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب النية، برقم 4228، وأحمد، 4/ 130، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 270.