الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا في غاية الرفق والحلم والرحمة، ويجمع ذلك كله الحكمة، فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة على هذا الأعرابي عمله، فقال له حينما قال:((اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً)): ((لقد حجّرت واسعاً))، يريد صلى الله عليه وسلم رحمة الله، فإن رحمة الله قد وسعت كل شيء، قال عز وجل:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (1)، فقد بخل هذا الأعرابي برحمة الله على خلقه.
وقد أثنى الله عز وجل من فعل خلاف ذلك حيث قال: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} (2).
وهذا الأعرابي قد دعا بخلاف ذلك، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة (3).
وحينما بال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركه؛ لأنه قد شرع في المفسدة، فلو منع ذلك لزادت المفسدة، وقد حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منعه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لدار بين أمرين:
1 - إما أن يقطع عليه بوله فيتضرّر الأعرابي بحبس البول بعد خروجه
.
2 - وإما أن يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه، أو ثوبه
، أو مواضع أخرى من المسجد.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكفّ عنه للمصلحة الراجحة، وهي دفع أعظم المفسدتين أو الضررين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما (4).
وهذا من أعظم الحكم العالية، فقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المصالح، وما
(1) سورة الأعراف، الآية:156.
(2)
سورة الحشر، الآية:10.
(3)
انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/ 439.
(4)
انظر: فتح الباري، شرح صحيح البخاري، 1/ 325، وشرح النووي على مسلم، 3/ 191.