الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدقة، وتعين الرجل في دابته فترفع متاعه عليها أو تحمله عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة.
7 - الجود بالعرض
، كمن يعفو عمن اغتابه، أو سبّه، ونال من عرضه، كما فعل أبو ضمضم.
8 - الجود بالصبر، والاحتمال، وكظم الغيظ
، وهذا أنفع من الجود بالمال.
9 - الجود بالخلق الحسن، والبشاشة، والبسطة
، وهو فوق الجود بالصبر.
10 - الجود بترك ما في أيدي الناس عليهم
فلا يلتفت إليه.
ولكل مرتبة من الجود مزيد وتأثير خاص في القلب، والله سبحانه قد ضمن المزيد للجواد والإتلاف للممسك، والله المستعان (1).
وكل أنواع الجود والكرم ينبغي للدعاة أن يتحلوا بها في دعوتهم، ومن الصور العظيمة لتطبيق الجود والكرم ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك:
عن أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاهُ، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قومي أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة (2).
وهذا الموقف الحكيم العظيم يدلّ على عظم سخاء النبي صلى الله عليه وسلم، وغزارة جوده (3).
(1) انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 293 - 296 بتصرف.
(2)
مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: لا، برقم 2312.
(3)
انظر: أمثلة كثيرة من كرمه وجوده في البخاري مع الفتح، كتاب بدء الوحي، باب حدثنا عبدان 1/ 30، وكتاب الأدب باب حسن الخلق وما يكره من البخل، 10/ 455، وكتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن عندي مثل أحُد ذهباً، 11/ 264، 11/ 303، وكتاب الكفالة، باب من تكفل عن ميت ديناً فليس له أن يرجع، 4/ 474، وكتاب التمني، باب تمني الخير، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان لي مثل أحُد ذهباً، 13/ 217، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، 4/ 1805، 1806، وكتاب الزكاة، باب من سأل بفحش وغلظة، 2/ 730، وباب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، 2/ 687.
وكان صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء ابتغاء مرضاة الله عز وجل وترغيباً للناس في الإسلام، وتأليفاً لقلوبهم، وقد يُظهر الرجل إسلامه أولاً للدنيا ثم - بفضل الله تعالى، ثم بفضل النبي صلى الله عليه وسلم ونور الإسلام - لا يلبث إلا قليلاً حتى ينشرح صدره للإسلام بحقيقة الإيمان، ويتمكّن من قلبه، فيكون أحب إليه من الدنيا وما فيها (1).
ولهذا شواهد كثيرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفتح - فتح مكة - ثم خرج صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة، قال صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ (2).
وقال أنس رضي الله عنه: ((إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها)) (3).
(1) انظر: شرح النووي على مسلم، 15/ 72.
(2)
مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، برقم 2313.
(3)
مسلم، في الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً، 4/ 1806.
وإذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل ضعيف الإيمان، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجزل له في العطاء، قال صلى الله عليه وسلم:((إني لأعطي الرجل وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يُكبَّ في النار على وجهه)) (1)؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم ((يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل)) (2).
ومن مواقفه الحكيمة العظيمة في ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم مع المرأة المشركة صاحبة المزادتين، فإنه بعد أن أسقى أصحابه من مزادتيها، ورجعت المزادتان أشد ملاءةً منها حين ابتدأ فيها قال لأصحابه:((اجمعوا لها))، فجمعوا لها - من بين عجوة ودقيقة وسويقة - حتى جمعوا لها طعاماً كثيراً وجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها صلى الله عليه وسلم:((اذهبي فأطعمي هذا عيالك، تعلمين والله ما رزأناك (3) من مائك شيئاً، ولكن الله هو الذي أسقانا)).
وفي القصة أنها رجعت إلى قومها فقالت: لقيت أسحر الناس، أو هو نبي كما زعموا، فهدى الله ذلك الصرم (4) بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا (5).
وفي رواية: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من
(1) البخاري، كتاب الزكاة، باب قوله تعالى:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} ، برقم 1478، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء من يخاف على إيمانه، برقم 150.
(2)
البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم، برقم 2978.
(3)
ما رزأناك: أي: لم ننقص من مائك شيئاً. انظر: فتح الباري، 1/ 453.
(4)
الصرم: أبيات مجتمعة من الناس. انظر: فتح الباري، 1/ 453.
(5)
البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة، برقم 3571، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، برقم 682.