الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: طرق تحصيل الإخلاص وعلاج الرياء
قد عُرِفَ أن الرياء محبط للعمل، وسبب لغضب الله ومقته، وأنه من المهلكات، وأشد خطراً على المسلم من المسيح الدجال.
ومَن هذه حاله فهو جدير بالتشمير عن ساق الجد في إزالته وعلاجه، وقطع عروقه وأصوله. ومن هذا العلاج الذي يزيل الرياء، ويحصِّل الإخلاص بإذن الله تعالى ما يأتي:
1 - معرفة أنواع الرياء، ودوافعه، وأسبابه
ثم قطعها وقلع عروقها، وتقدمت هذه الدوافع والأسباب.
2 - معرفة عظمة الله تعالى
، بمعرفة: أسمائه، وصفاته، وأفعاله معرفةً صحيحةً مبنية على فهم الكتاب والسنة على مذهب أهل السنة والجماعة؛ فإن العبد إذا عرف أن الله وحده هو الذي ينفع ويضرّ، ويعزّ ويذلّ، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، إذا عرف ذلك، وعلم بأن الله هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له فسيُثمرُ ذلك إخلاصاً وصدقاً مع الله، فلابُدَّ من معرفة أنواع التوحيد كلها معرفة صحيحة سليمة.
3 - معرفة ما أعدَّه الله في الدار الآخرة
من نعيم وعذاب، وأهوال الموت، وعذاب القبر؛ فإن العبد إذا عرف ذلك، وكان عاقلاً هرب من الرياء إلى الإخلاص.
4 - الخوف من الرياء المحبط للعمل
؛ فإن من خاف أمراً بقي حَذِراً
منه فينجو؛ فإن من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة. فينبغي للمرء بل يجب عليه إذا هاجت رغبته إلى آفة حُبّ الحمد والمدح أن يُذَكِّرَ نفسه بآفات الرياء، والتعرّض لمقت الله، ومن عرف فقر الناس وضعفهم استراح كما قال بعض السلف:((جاهد نفسك في دفع أسباب الرياء عنك، واحرص أن يكون الناس عندك كالبهائم والصبيان فلا تفرق في عبادتك بين وجودهم وعدمهم، وعلمهم بها أو غفلتهم عنها، واقنع بعلم الله وحده)) (1).
وبالله وحده ثم بالخوف من حبوط العمل نجا أهل العلم والإيمان من الرياء وحبوط العمل، فعن محمد بن لبيد رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم:((إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؛ قال: ((الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)) (2).
ولهذا الخطر العظيم خاف الصحابة والتابعون وأهل العلم والإيمان من هذا البلاء الخطير، ومن ذلك الأمثلة الآتية:
المثال الأول: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (3)، قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله: أهو
(1) انظر: الإخلاص والشرك الأصغر، ص15.
(2)
أحمد في المسند، 5/ 428، وصححه الألباني في صحيح الجامع، 2/ 45.
(3)
سورة المؤمنون، الآية:60.
الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر؟ قال:((لا يا بنت أبي بكر ((أو يا بنت الصديق)) ولكنه الرجل يصوم، ويتصدّق، ويصلّي وهو يخاف ألا يُتقبَّل منه)) (1).
المثال الثاني: قال ابن أبي مُلَيْكة: ((أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلُّهم يخاف النفاق على نفسه، وما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل)) (2).
المثال الثالث: وقال إبراهيم التيميّ: ((ما عرضتُ قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذِّباً)) (3).
المثال الرابع: ويُذكر عن الحسن أنه قال: ((ما خافه إلا مؤمن ولا أمِنه إلا منافق)) (4).
المثال الخامس: وقال عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما: ((نشدتك
(1) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب التوقي على العمل، برقم 4198، وانظر: صحيح ابن ماجه للألباني، 2/ 409 ورواه أحمد، 6/ 159، 25، والترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة المؤمنون، برقم 3174، والحاكم، 2/ 393، وحسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 162.
(2)
البخاري معلقاً مجزوماً به، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، قبل الحديث رقم 48.قال ابن حجر في فتح الباري،1/ 110: ((وصله ابن أبي خيثمة في تاريخه)).
(3)
البخاري معلقاً ومجزوماً به، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، قبل الحديث رقم 48.قال ابن حجر:((وصله المصنف في تاريخه)).انظر: فتح الباري، 1/ 110.
(4)
البخاري، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، قبل الحديث رقم 48.، وقال ابن حجر: ((وصله جعفر الفريابي في كتب صفة المنافقين))، وصححه. انظر: الفتح، 1/ 111.