الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإِسلامية في المدينة إلى أن تقوم بهذا التحرك العسكري الضخم السريع رغم المتاعب التي سيلاقيها الجيش نتيجة شدة الحر وضيق ذات يد الكثير ممن اشتركوا في غزوة العسرة هذه.
أغنياء الصحابة يتبرعون للجيش:
ولما كانت سنة غزوة تبوك سنة قحط وعسرة بين عامة المسلمين، فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أغنياء الصحابة على التصدق -وهو ما يسمى بلغة العصر بالتبرع- لتجهيز ذلك الجيش الضخم وإكمال تموينه، لأن بيت مال المسلمين بالمدينة ليس فيه ما يكفي لتموين وتجهيز هذا الجيش اللجب.
لم يكن هناك في العصر النبوي نظام عسكرى إدارى تدفع بموجبه رواتب للمحاربين يتقاضونها مقابل اشتراكهم في القتال لتدعيم سلطان الإسلام، بل يكون القتال هذا بدافع من منطلق وجدانى أساسه الإيمان بأن هذا القتال هو الجهاد الذي أعد الله للقائمين به أعلى الدرجات في الدار الآخرة، وخاصة الذين يلقون حتفهم وهم يباشرون هذا الجهاد، والذين أكد القرآن أنهم يفضلون جميع أموات المسلمين، بأنهم يصيرون بعد موتهم أحياء. تتمتع أرواحهم بأعلى درجات النعيم عند الله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
وانطلاقًا من هذه العقيدة (عقيدة الجهاد لإعلاء كلمة الله) يقوم القادرون منهم بواجب تجهيز أنفسهم بما يلزمهم من سلاح وإعاشة ووسائل نقل إلى ميادين القتال، فلا يطلبون من الدولة شيئًا من هذه المستلزمات للجهاد وإنما يطلب هذه المستلزمات من المجاهدين، من الدولة غير القادرين من المعوزين، فهؤلاء تبذل الدولة جهدها لتوفير ما يحتاجونه من سلاح وإعاشة ووسائل نقل.
وهؤلاء كانوا كثيرين عندما أعلن الاستنفار العام كى يتحرك الرسول بالجيش نحو الشمال لمواجهة الروم، ولما كان بيت المال، ليس فيه ما يوفر
لهؤلاء الفقراء من مستلزمات القتال شيء كالسلاح والإعاشة ووسائل النقل، وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أثرياء الصحابة وميسورى الحال نداء بأن يتصدقوا بما تسخو به نفوسهم من أموالهم لسد احتياجات الراغبين في الجهاد، من الذين لا يجدون (في أموالهم الخاصة) ما يوفر لهم ما يحتاجونه في هذه الرحلة القتالية الشاقة الطويلة التي تستغرق ذهابًا وإيابًا حوالي شهر كامل.
وما كاد الأغنياء وميسورو الحال من الصحابة يتبلغون نداء الرسول صلى الله عليه وسلم الحاث على التصدق والتبرع لإكمال تجهيز الغازى هذا حتى تسابقوا إلى ميدان التبرع والتصدق طمعًا فيما عند الله تعالى من ثواب.
وكان التبرع من هؤلاء الكرام البررة على أعلى مستويات السخاء، فتم للرسول صلى الله عليه وسلم -وفي وقت وجيز- جمع أموال عظيمة من المتصدقين، تمكن بهذه الأموال من تموين الجيش وإكمال تجهيزه، حيث بهذه الأموال وفرّ الإعاشة ووسائل النقل والأسلحة للذين لا يقدرون على أن يوفرّوها لأنفسهم من مالهم الخاص.
وكان أعظم المتصدقين المتبرعين سخاء من الصحابة لتجهيز الجيش هذا، عثمان بن عفان، فقد ضرب أعلى رقم قياسى في البذل والسخاء في سبيل الله بماله، تولى وحده تموين وتجهيز ثلث الجيش من ماله الخاص. أي أن عثمان قام وحده بتجهيز عشرة آلاف من ماله الخاص الحلال، وكان عثمان تاجرًا ناجحًا.
أي إيمان عظيم جعل صاحبه يذهب في الكرم وحبّ الخير إلى أن ينفق بسخاء وطيب خاطر كل هذه النفقات العظيمة (عشرة آلاف مجاهد يمونهم ويجهزهم بكل ما يحتاجونه من ماله الخاص؟ ) .. تضحية ما بعدها تضحية، وسخاء -باعثه الإيمان- ما بعده سخاء جعل الرسول صلى الله عليه وسلم تقديرًا لهذا الكرم العظيم- أن يقول مبشرًا عثمان أن الله قد رضي عنه:(ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا).
وقد روى أصحاب السير والمغازى، كل حسب سنده وروايته يصفون حملة التبرعات التي قام بها الصحابة لتموين الجيش في هذه الغزوة (غزوة