الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه دعابة، يحب المزاح - فلما انصرفوا وكانوا ببعض الطريق، وأوقدوا نارًا يصطلون عليها ويصنعون الطعام، فقال لهم: عزمت عليكم إلّا تواثبتم في هذه النار، وكان الانضباط العسكري في الإِسلام (حسب أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم شديدًا، فظن الجند أنه أمر عسكرى، فاستعدوا للوثوب في النار كما أمرهم قائدهم، فلما رأى قائدهم أنهم واثبون في النار لا محالة، قال: اجلسوا، إنما كنت أضحك معكم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: من أمركم بمعصية فلا تطيعوه (1).
- 5 -
سرية علي بن أبي طالب إلى قبيلة طئ .. ربيع الآخر سنة تسع ه
ـ
وهي دورية قتال كلها من الأنصار وقوامها مائة وخمسون مقاتلا كانوا محمولين على خمسين فرسًا ومائة بعير، كان أميرها علي بن أبي طالب، وكانت هذه الدورية تضم سادات الأوس والخزرج.
كان هدف هذه الدورية ديار طيئ في أقصى الشمال، حيث تقيم (على وجه التحديد) أسرة آل حاتم الطائى وعميدها عَدى بن حاتم الذي كان بمثابة
= إلى كسرى يدعوه إلى الإِسلام فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مزق الله ملكه، فقتله ابن شيرويه. وأسر عبد الله بن حذافة وهو يحاصر مع المسلمين قيسارية فجئ به إلى قائد الحامية فقال له الطاغية: تنصر، وإلا ألقيتك في البقرة (البقرة من نحاس) قال: ما أفعل؟ فدعا الطاغية البقرة النحاس فملئت زيتًا وأغليت، ودعا برجل من أسرى المسلمين، فعرض عليه النصرانية فأبى فألقاه في البقرة التي تغلى بالزيت، فإذا عظامه تلوح، وقال لعبد الله: تنصر وإلا ألقيتك، قال: ما أفعل فأمر به أن يلقى في البقرة النحاس التي فيها الزيت يغلى، فبكى. فقالوا: قد جزع، قال رُدُّوه. قال لا ترى أنى بكيت جزعًا مما تريد أن تصنع بي، بكيت حيث ليس لي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في الله، كنت أحب أن يكون لي من الأنفس عدد كل شعرة في، تم تسلط على فتفعل لي هذا. قال: فأعجب منه وأحب أن يطلقه. فقال: قبل رأسى وأطلقك. قال: ما أفعل. قال: تنصر وأزوجك ابنتي وأقاسمك ملكى. قال: قبل رأسى وأطلقك وأطلق معك ثمانين من المسلمين. قال: أما هذا فنعم، فقبل رأسه وأطلقه وأطلق معه ثمانين من المسلمين، فلما قدموا على عمر بن الخطاب قام إليه عمر فقبل رأسه، قال: فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمازحون عبد الله فيقولون قبلت رأس علج. فيقول لهم: أطلق الله بتلك القبلة ثمانين من المسلمين. توفى عبد الله بن حذافة بمصر في خلافة عثمان بن عفان.
(1)
مغازي الواقدي ج 3 ص 984.
ملك لطئ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم بعد انتصاره العظيم في معركة حنين الحاسمة، لا يبلغه وجود صنم أو وثن في أية ناحية من جزيرة العرب إلا وبعث إليه من يحطمه، كى لا يبقى في الجزيرة أي أثر من آثار الجاهلية.
وكان لقبيلة طيء صنم يقال له: الفُلس (بضم أوله وسكون ثانيه)، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على رأس هذه الحملة كى يتولّى تحطيم الصنم (الفُلس).
كانت طئ قبيلة يمانية عظيمة ذات أفخاذ متعددة وكانت قد هاجرت من جنوب الجزيرة إلى شمالها في نجد منذ أقدم العصور، حتى صارت تعد في القبائل النجدية.
ومن الناحية العسكرية، كانت قبيلة طيئ ذات مقدرة قتالية فائقة، ومن حيث العدد فهي قبيلة عظيمة، إذ لا تقل عن غطفان وأسد وهوازن، سواء من ناحية الشجاعة والعدد، أو من ناحية القوة.
كان يمكن أن يلاقى الجيش الإسلامي من قبيلة طيئ من المصاعب والمتاعب والمقاومة العنيدة المنظمة، مثلما لقى من غطفان في أول عهد الإِسلام، ومن هوازن في معركة حنين، ولكن انهيار مقاومة هذه القبائل القوية العنيدة، ودخول كل عشائرها في الإِسلام، ودخول الأغلبية الساحقة من قبائل الجزيرة في هذا الدين، جعل من قبيلة طيئ - رغم ماضيها العسكري الشهير وكثرة عددها - قوة غير مرهوبة الجانب لدى المسلمين، فقد اعترى عشائر هذه القبيلة العظيمة التخاذق وانتابها الرعب من المسلمين، فتلاشت - أمام تيار الإِسلام - قوتها العسكرية العظيمة التي كانت عليها.
ولا أدل على هذا الضعف والتلاشى والتخاذل من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يهدم صنم هذه القبيلة المعبود (الفُلس) لم يبعث لهذه المهمة سوى قوة خفيفة قوامها مائة وخمسون مقاتلا، مع العلم أن عشائر طيئ تضم عدة آلاف من القادرين على القتال.
كانت المسافة بين المدينة وبن المكان الذي فيه صنم طيئ (الفُلس)،
حوالي ستمائة ميل، لذلك كان رجال السرية محمولين على مائة بعير وخمسين فرسًا، وقد حققت الدورية أهدافها، فقد تمكن علي بن أبي طالب من تحطيم (الفُلس) صنم طيئ، بعد مقاومة أبداها الطائيون، سحقها على ورجال سريته، بعد أن قتل عددًا من المقاومين وأوقع الكثير منهم في الأصر.
وكان ضمن الذين وقعوا في الأسر ابنة لحاتم طئ اسمها (السفانة) وكانت أخت عَدى بن حاتم الذي كان بمثابة الملك على طيئ، وكان قد خلف أباه حاتمًا في زعامة طيئ، أما عَديّ بن حاتم نفسه، فقد تمكن من الهرب إلى الشام، وكان يدين بالنصرانية، إلا أن أخته (السفانة) التي أكرمها الرسول صلى الله عليه وسلم وحررها من الرق بعد أن علم أنها ابنة حاتم طيئ الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كان يحب مكارم الأخلاق، السفانة هذه ذهبت إلى أخيها عَدى بالشام. فأقنعته - وكانت ذات عقل راجح - بأن يدخل في الإِسلام، فجاء - تحت تأثير أخته الحصيفة - إلى المدينة وأعلن إسلامه، وكان لإسلامه أثر طيب في نصرة الإِسلام فقد أعز الله به هذا الدين، وكانت أبرز مواقفه المشرّفة، ثباته وتثبيت قومه طيئ على الإِسلام عندما ارتد أكثر العرب عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما كانت له مواقف مشرفة رائعة في معارك الجهاد في الشام والعراق، حيث كان عدى من زملاء القائد خالد بن الوليد الذين هم ضمن هيئة أركان حربه سواء كان في الشام أم في العراق.
أما قصة نجاح حملة الدورية الخفيفة التي قادها علي بن أبي طالب إلى ديار طيئ وقصة انهيار المقاومة بين عشائر قبيلة طيئ التي تعد بالآلاف، فلنترك الإمام الواقدي يحدثنا عنها في كتابه الشهير (المغازي).
قال الواقدي عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا عليه السلام في خمسين ومائة رجل، على مائة بعير وخمسين فرسًا، وليس في السرية إلا أنصارى، فيها وجوه الأوس والخزرج، فاجتنبوا الخيل واعتقبوا على الإبل حتى أغاروا على أحياء من العرب، ثم قال: وبعث عليًّا إلى الفلس (صنم طيئ) ليهدمه، فخرج بأصحابه، معه راية سوداء ولواء
أبيض، معهم القنا والسلاح الظاهر، وقد دفع رايته إلى سهل بن حنيف، ولواءه إلى جبّار بن صخر السلمي، وخرج بدليل من بني أسد، يقال له: حريث، فسلك بهم على قيد (1)، فلما وصل بهم إلى موضع قال: بينكم وبين الحي الذي تريدون يوم تام، وإن سرناه بالنهار وطئنا أطرافهم ورعاءهم، فأنذروا الحى فتفرقوا، فلم تصيبوا منهم حاجتكم، ولكن نقيم يومنا هذا، في موضعنا حتى نمسى ثم نسرى ليلتنا على متون الخيل فنجعلها غارة حتى نصبحهم في عماية الصبح. قالوا: هذا الرأي، فعسكوا وسرّحوا الإِبل، واصطنعوا (أي صنعوا لهم طعامًا) وبعثوا نفرًا منهم يتقصون ما حولهم، فبعثوا أبا قتادة والحباب بن المنذر وأبا نائلة، فخرجوا على متون خيل لهم يطوفون حول العسكر، فأصابوا غلامًا أسود فقالوا: ما أنت؟ قال: أطلب بغيتى، فأتوا به عليًّا عليه السلام فقال، ما أنت؟ فقال: باغ، قال: فشدوا عليه. فقال: أنا غلام لرجل من طيئ من بني نبهان، أمرونى بهذا الموضع، وقالوا: إن رأيت خيل محمد فطر إلينا فأخبرنا، وأنا لا أدرك أثرًا، فلما رأيتكم أردت الذهاب إليهم ثم قلت: لا أعجل حتى آتى أصحابي بخبر بين من عددكم وعدد خيلكم وركابكم، ولا أخشى ما أصابنى، فلكأنى كنت مقيدًا حتى أخذتنى طلائعكم.
قال علي (عليه السلام): أصدقنا ما وراءك، قال: أوائل الحى على مسيرة ليلة طرّادة، تصبحهم الخيل ومغارها حين غدوا، قال على (عليه السلام) لأصحابه: ما ترون؟ قال جبّار بن صخر: نرى أن ننطلق على متون الخيل ليلتنا حتى نصبح القوم وهم غارّون، فنغير عليهم ونخرج بالعبد الأسود ليلًا ونخلف حريثًا مع العسكر حتى يلحقوا إن شاء الله.
فقال علي هذا الرأي، فخرجوا بالعبد الأسود، والخيل تعادى، وهو ردف بعضهم عقبة، ثم ينزل فيردف آخر عقبة، وهو مكتوف، فلما
(1) قال في مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: فيد (بفتح أوله وسكون ثانيه: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة في وسطها حصن عليه باب حديد، وعليها سور دائر، كان الناس يردعون فيها فواضل أزوادهم إلى حين رجوعهم وما يثقل من أمتعهم، وكانوا يجمعون العلف طول سنتهم ليبيعوه على الحاج إذا وصلوا، وهي أجأ أحد جبلى طيئ.
انهار الليل، كذب العبد وقال: قد أخطأت الطريق، وتركتها ورائى، قال على: فارجع إلى حيث أخطأت، فرجع ميلًا أو أكثر، ثم قال: أنا على خطأ. فقال على: إنا منك على خدعة، ما تريد إلا أن تثنينا عن الحى، قدّموه، لتصدقنا أو لنضربن عنقك، قال: فقدّم وسل السيف على رأسه، فلما رأى البشر قال: أرأيت إن صدقتكم أينفعنى قالوا: نعم، قال: فإنى صنعت ما رأيتم، إنه أدركنى ما يدرك الناس من الحياء فقلت كما أقبلت بالقوم أدلهم على الحى من غير محنة ولا حق فآمنهم، فلما رأيت منكم ما رأيت وخفت أن تقتلونى كان لي عذر، فأنا أحملكم على الطريق. قالوا: أصدقنا. قال: الحى منكم قريب، فخرج معهم حتى انتهى إلى أدنى الحى، فسمعوا نباح الكلاب وحركة النعم في المراح والشاء، فقال هذه الأصرام وهي على فرسخ، فينظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: فأين آل حاتم؟ قال: هم متوسطو الأصرام (أي البيوت). قال القوم لبعضهم البعض: إن أفزعنا الحي تصايحوا وأفزعوا بعضهم بعضًا، فتغيب عنا أحزابهم في سواد الليل، ولكن نمهل القوم حتى يطلع الفجر معترضًا فقد قرب طلوعه فنغير، فإن أنذر بعضهم بعضًا لم يخف علينا أين يأخذون، وليس عند القوم خيل يهربون عليها، ونحن على متون الخيل.
قالوا: الرأي ما أشرت به، قال: فلما اعترضوا الفجر أغاروا عليهم فقتلوا من قتلوا وأسروا من أسروا، واستاقوا الذرية والنساء، واستاقوا الغنائم المختلفة الأنواع، ولم يخف عليهم أحد تغيب فملأوا أيديهم، وبعد السيطرة على منازل الأعداء واحتلالها والقضاء على كل مقاومة أبدوها، سار على إلى صنمهم الفُلْس، فهدمه وخرّبه وبذلك أنهى آخر مظهر من مظاهر الوثنية في الشمال الشرقي لجزيرة العرب.
وهكذا كانت عملية تمشيط جيوب المقاومة الوثنية في جزيرة العرب التي تقوم بها الوحدات العسكرية النبوية تسير سيرًا ناجحًا ودونما أي عائق، لقد كانت قبيلة طيئ (بحق) أقوى جيوب المقاومة الوثنية في جزيرة العرب، وكان المتبادر إلى الذهن أن هذه القبيلة - لما هي عليه من كثرة في العدد وقدرة قتالية لا تنكر - ستكون مقاومتها للوحدة الخفيفة التي قادها
علي بن أبي طالب شديدة.
ولكن الذي حدث هو العكس حيث انهارت هذه القبيلة عند الصدمة الأولى، ويظهر أن الرعب الكامل قد سيطر على نفوسهم من المسلمين، فحطم فيها القدرة القتالية الممتازة التي اشتهروا بها عبر العصور قبل الإِسلام، حيث كانوا يأتون في مقدمة رجالات نجد عندما يأتي ذكر الفروسية، فقد كانت طيئ مشهورة باقتناء الخيل.
ولا شك أن انهيار معنويات طيئ حتى الحضيض راجع إلى نجاح القيادة الإِسلامية في تحطيم أقوى العناصر العسكرية المعادية للإِسلام بمن فيها قبائل غطفان وعشائر هوازن وبطون قريش بالإِضافة إلى تصفية العنصر اليهودى الدخيل الذي يعتبر (وخاصة في خيبر) من أخطر العناصر القتالية شرقي المدينة على المسلمين.
إذن، فعناصر طيئ (وهم أحلاس الخيل ونسور الحرب) لم تعد آلافهم المؤلفة تغنى شيئًا، فقد استطاعت دورية مسلحة خفيفة قوامها مائة وخمسون من المسلمين أن تتغلب عليهم وتجعلهم يطلبون النجاة لأنفسهم، رغم أن عندهم من سلاح الفرسان ما لا يقل عن ألفى فارس، ولكنه الرعب من المسلمين ملأ قلوبهم، والرعب أخطر سلاح يتعرّض له من يصاب به .. والرعب الذي افهزمت طيئ بفعله، هو مصداق الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ونصرت بالرعب. وإلا فإن من يعرف طيئًا وملكها الكبير وفرسانها المغاوير لا يكاد يصدّق أن الآلاف المؤلفة منهم قد انهزمت أمام مائة وخمسين من المسلمين هاجموا طيئ على بعد ستمائة ميل من المدينة وليس معهم سوى خمسين فرسًا، بينما تملك طىيء في شعاب ووديان أجا وسلمى ما لا يقل عن ألفى فرس. ولكنه الرعب قد ملأ قلوبها حتى أصبحت هواء. وحتى سيدها وملكها وفارسها المعلم عَدى بن حاتم الطائى للرعب الذي أصابه هرب إلى الشام عند اقتراب المسلمين من دياره دون أن يشهر سيفًا أو يشرع رمحًا في وجوههم. حتى أنه عند هربه إلى الشام، لم يتمكن من استصحابه شقيقته السفانة التي وقعت ضمن السبايا اللواتى وقعن في أيدى جند دورية علي بن أبي طالب.