الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النفاق، فمنهم من يعامل معاملة المرجفين ومنهم من تترك له فرصة التوبة.
ومنهم صنف شديد الخفاء هو أشد خطرًا وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بالإِحاطة بهم كما قال: (ومن أهل المدينة مزدوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين)(1). ومن العجيب أن المنافقين يمتازون بكثير من الذكاء ولكن نقصهم الخلقى هو الذي يدفعهم إلى المواقف المرذلة، ولولا حب الجاه والمال ومتاع الحياة الدنيا والحسد لكان لهم شأن غير ما هم فيه وهم على اختلاف ألوانهم (بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم. نسوا الله فنسيهم. إن المنافقين هم الفاسقون).
مسجد الضرار وكر للتآمر:
كان المنافقون دائما أشبه بالجمعيات السرية التي تعمل بتكتم شديد ضد العهد القائم، وكان هؤلاء المنافقون شديدى التكتم في نشاطاتهم التخريبية ضد الإِسلام لئلا يقعوا تحت طائلة القانون الإِسلامي إذا أدينوا بعمل ضده يستحق العقوبة، وكانوا زيادة في الرغبة لتحقيق مآربهم الخبيثة للإطاحة بالإسلام صاروا يظهرون له الولاء ولنبيه بينما يعملون في الباطن على كل ما يضر بالجميع.
وفي جوّ الحرية التي يتمتعون بها لانتسابهم إلى الإِسلام كانوا فيما بينهم يتفوهون بكل ما يريدون ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكنهم عندما يكونون بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يتضايقون إذ لا يستطيعون أن يحيكوا ويقولوا ويفعلوا ما يريدون ضد الإِسلام مثلما يكونون منفردين مع بعضهم البعض. وكان في العهد النبوي المسجد هو المكان الذي مفروض على المسلمين غير المرضى والعاجزين أن يجتمعوا فيه جميعا خمس مرات خلال الأربع والعشرين الساعة، وذلك لأداء الصلاة المفروضة. وكان المنافقون يجتمعون في المسجد مع المسلمين في هذه الأوقات وذلك باعتبارهم جزءًا من الأسرة الإِسلامية، وكان اجتماعهم في المسجد كل المرات الخمس هذه
(1) التوبة 102.
يتيح لهم الفرص ليتناجوا فيما بينهم بالدس والكيد للإسلام والمسلمين، ولكنهم كانوا يتخوفون لأن المسلمين ينظرون إليهم بعين الريبة والشك، فيتضايقون لذلك ولا يستطعون العمل بحرية، وقد عبّر عن هذه الحقيقة "التي عليها المنافقون من التضايق"، زعيمهم أبو عامر الفاسق المسمى عندهم بالراهب حين قال مفصحا عن نظرات الشك والريبة التي ينظر بها المسلمون إلى المنافقين عندما يحضرون معهم المسجد للصلوات:"لا أقدر أن أدخل مربدكم (1) هذا - يعني الخبيث المسجد - وذلك أن أصحاب محمد يلحظوننى وينالون منى ما أكره"(2).
لذلك قرروا "وبإيحاء من زعيم ناحيتهم بقباء أبي عامر الفاسق" أن يبنوا لهم وكرًا يكون مقرًا لاجتماعاتهم يعملون فيه بحرية ضد الإِسلام والمسلمين. وقد ذهب بهم الإِيغال في المكر والخبث إلى أن يجعلوا مركز التآمر والكيد هذا على صورة مسجد كى يبعدوا الشبهة عن أنفسهم، لأن أحدًا لن يعترض علي بناء مسجد الذي لا يبنى عادة إلا لعبادة الله تعالى.
وكانت الفكرة من اختراع أبي عامر الفاسق الذي حضر مع المشركين. معركة أحد ضد المسلمين وركل جثة ابنه الشهيد غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، وهكذا اقتضت حكمة الله أن يخرج الأخيار من أصلاب الأشرار، فأبو عامر الراهب "الفاسق" من أخبث المنافقين، وابنه حنظلة من أفضل وأصلح شباب الإِسلام.
وقد خرجت فكرة أبي عامر الراهب الخبيثة إلى حيز الوجود حيث بتشجيع منه وتشجيع أمثاله بني المنافقون لهم مسجدًا، واختاروا ضاحيه من ضواحي المدينة وهي ضاحية قباء إلى تبعد عن المدينة حوالي ميلين، ويظهر أنهم اختاروا هذه الضاحية لما فيها من هدوء ولبعدها عن المديتة التي بها مركز النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده الشريف.
وكان في هذه المنطقة "قبا" بنى أول مسجد في الإِسلام، وظل هذا المسجد محلا لإقامة شعائر الإِسلام في ذلك الحى، وهو حي بني عمرو بن
(1) المربد: الموضع الذي تحبس فيه الإبل والغنم.
(2)
مغازي الواقدي ج 3 ص 1089.