الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبيث لا يتقنه إلا المنافقون الجبناء.
فقد وضع المنافقون المتآمرون خطة جهنمية للتخلص من الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وكان هؤلاء المنافقون قد وضعوا خطة الاغتيال على أساس أنها لو نجحت ستبدو وكأنها قضاء وقدر لأن ما قرر هؤلاء المنافقون أن يكون وسيلة قتلة النبي صلى الله عليه سلم له نظائر، فكثيرا ما يحدث لأفراد سبقوه.
فلم يقرر المنافقون (وهم يضعون خطة الاغتيال) أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم بسيف أو رمح أو سهم، وإنما قرروا زيادة في الكتمان أن يكون قتله عن طريق نفور الناقة التي يركبها وتردِّيها في واد سحيق بحيث لا يكون هناك أمل في سلامته إذا ما تردّت به الناقة في الوادي، ولا يكون مجال لاتهام أحد بقتله.
كيف فشلت خطة المنافقين في الاغتيال:
كانت خطة المنافقين للاغتياك قابلة للنجاح بسهولة لو أن الجيش كله سلك الطريق الذي كان من المقرر أن يسلكها وهي عقبة تشرف على واد سحيق.
فقد علم المنافقون أنه في هذه العقبة الخطرة سيتزاحم الآلاف من راكبى الخيل والإِبل حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن السهل على فئة قليلة من الرجال الازدحام حول الناقة التي يركبها الرسول صلى الله عليه وسلم لتنفيذ المؤامرة بحيث يتمكنون في ظلام الليل من العمل بأية وسيلة (في غمرة الازدحام) على إسقاط النبي صلى الله عليه وسلم من على ظهر ناقته إلى الوادي للتخلص منه. فيبدو الأمر وكأنه قضاء وقدر. وهذا هو الذي استقر عليه رأى المنافقين (وهم يضعون خطة الاغتيال) إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه خبر المؤامرة في اللحظات الأخيرة، وعندما بلغه ما يدبره المنافقون بالتفصيل عمل على إحباط المؤامرة، فأصدر أمره للجيش كله بأن يغير اتجاه سيره، فيسلك الوادي، بدلا من أن يسلك العقبة، ثم سلك الرسول صلى الله عليه وسلم العقبة وحده ومعه (فقط) ثلاثة نفر من أصحابه، وهم: عمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وحمزة بن عمرو
الأسلمي (1).
وهنا بدا وكأن محاولة المنافقين قد فشلت نهائيا، لأن هؤلاء المنافقين لا تستطيع العناصر المكلفة منهم بتنفيذ خطة الاغتيال، تنفيذ هذه الخطة، لأن انفصال هذه العناصر من الجيش تثير حولهم الشكوك والريب وتجعلهم من المتعمدين مخالفة أوامر الرسول القائد صلى الله عليه وسلم. ولكن هؤلاء المنافقين لم ييأسوا، فقد مضوا في مخططهم، فاغتنموا فرصة ظلام الليل الذي سيكون مخيما عندما يمرّ الرسول صلى الله عليه وسلم بالمكان الخطر من العقبة الذي قرروا أن تتم فيه عملية الاغتيال، فوضعوا مخططًا جديدا لاغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا المخطط الجديد يتلخص فيما يلي:
1 -
أن ينتدب ثلاثة عشر من هؤلاء المنافقين للمهمة.
2 -
عليهم أن لا يباشروا المؤامرة إلا إذا خيم الظلام.
3 -
عليهم أن يتلثموا عند الشروع في المؤامرة لئلا يتمكن أحد من معرفتهم.
4 -
عليهم أن ينصبوا كمينهم في المكان الخطر المحدد من العقبة.
5 -
عليهم أن لا يستخدموا أي سلاح من رمح أو سيف أو نبل لتنفيذ الاغتيال.
6 -
بل عليهم إذا مر بهم النبي صلى الله عليه وسلم في المكان الخطر المحدد من العقبة، أن يزحموا جميعهم ناقته بركابهم ويلجئوها إلى حافة الوادي ثم يقطعون أنساع (2) رحلها في الظلام حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم عنها إلى الوادي فيموت.
وعلى أساس هذه الخطة شرع المنافقون في المؤامرة الخبيثة الجديدة، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اكتشفهم عند شروعهم في المؤامرة
(1) هو حمزة بن عمرو بن عويمر بن الحارث. وهو من بني أسلم، يكنى أبو صالح، وهو من رواة الحديث، فقد روى عنه كثير من الأئمة، منهم يحيى بن سعيد والثورى وشعبة والحمادان. توفي سنة إحدى وستين وهو ابن إحدى وسبعين منة وقيل ابن ثمانين سنة.
(2)
الإنساع: هي الأحزمة التي يربط ويشد به الرحل على ظهر الناقة أو الجمل.
فأحبطها حين أمر حذيفة بن اليمان بمهاجمتهم فهاجمهم حذيفة، ولما كانوا لا يريدون أن يعرفهم أحد هربوا وما زالوا يوغلون في الهرب حتى دخلوا في سواد الجيش في الوادي لئلا يعرفهم أحد (1).
قال الواقدي يصف هذه المؤامرة الدنيئة: ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق مكر به أناس من المنافقين وائتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم فقال للناس؟ اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في العقبة إذ سمع حس القوم قد غشوه، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم وقد رأوا غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظن القوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اطلَّع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساق به، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقبة نزل الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا حذيفة، هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول الله عرفت فلان وفلان، وكان القوم ملثمين فلم أبصرهم في ظلمة الليل (2).
وكان هؤلاء المتآمرون قد نجحوا نجاحا جزئيا عندما شرعوا في مؤامرتهم الخبيثة، حيث تمكنوا من أن يزعجوا ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نفرت به فسقط لهذا اففور بعض متاع رحله ولكنه هو صلى الله عليه وسلم لم يسقط
…
(1) انظر إمتاع الأسماع ص 477 - 478 وزاد المعاد ج 3 ص 16 - 17 والبداية والنهاية ج 5 ص 19 و 20 و 21.
(2)
المغازي ج 3 ص 1042 - 1043.
وقال ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية): قال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة، هَمَّ جماعة من المنافقين بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق فأخبر خبرهم، فأمر الناس بالمسير من الوادي وصعد هو العقبة وسلكها، ومعه أولئك النفر قد تلثموا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان أن يمشيا معه، عمار آخذ بزمام الناقة، وحذيفة يسوقها، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم قد غشيوهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبصر حذيفة غضبه فرجع إليهم ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم بمحجنه، فلما رأوا حذيفة ظنوا أنه قد أظهر على ما أضمروه من الأمر العظيم فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما فأسرعا حتى قطعوا العقبة ووقفوا ينتظرون الناس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: هل عرفت هؤلاء القوم؟ قال: ما عرفت إلا رواحلهم في ظلمة الليل حين غشيتهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: علمتما من شأن هؤلاء الركب؟ قالا: لا فأخبرهما بما كانوا تمالئوا عليه وسماهم لهما واستكتهما ذلك، فقالا: يا رسول الله أفلا تأمر بقتلهم؟ فقال: أكره أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.
وقد ذكر ابن إسحاق هذه القصة إلا أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعلم بأسمائهم حذيفة بن اليمان وحده، وهذا هو الأشبه والله أعلم، ويشهد له قول أبي الدرداء لعلقمة صاحب ابن مسعود: أليس فيكم - يعني أهل الكوفة - صاحب السواد والوساد - يعني ابن مسعود - أليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره - يعني حذيفة - أليس فيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان محمد؟ - يعني عمارا - وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال لحذيقة: أقسمت عليك بالله أنا منهم؟ قال: لا. ولا أبرئ بعدك أحدًا- يعني حتى لا يكون مغشيًا سرّ التي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن كثير: قلت: وقد كانوا أربعة عشر رجلا وقيل كانوا اثنى
عشر رجلا. وذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم حذيفة بن اليمان فجمعهم فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من أمرهم وبما تمالئوا عليه. ثم سرد ابن إسحاق أسماءهم. قال: وفيهم أنزل الله عز وجل {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} (1).
وروى البيهقي من طريق محمد بن مسلمة عن أبي إسحاق عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البخترى عن حذيفة بن اليمان قال: كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به وعمار يسوق الناقة -أو أنا أسوق وعمار يقود- حتى إذا كنا بالعقبة إذا باثنى عشر رجلا قد اعترضوه فيها، قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بهم فولوا مدبرين. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عرفتم القوم؟ قلنا: لا يا رسول الله قد كانوا ملثمين ولكنا قد عرفنا الركاب، قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟ قلنا: لا. قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها. قلنا: يا رسول الله أو لا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: (لا) أكره أن يتحدث العرب بينها أن محمدًا قاتل بقومه، حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم، ثم قال: اللهم ارمهم بالدبيلة. قلنا: يا رسول الله وما الدبيلة؟ قال: هي شهاب من نار تقع على نياط قلب أحدهم فيهلك.
وفي صحيح مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن قيس بن عبادة قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا فيما كان من أمر على، أَرَأَىٌ رأيتموه أم شيء عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: في أصحابي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم يكفيكهم الدبيلة سراج من النار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم.
(1) التوبة: 75.