الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجال السرية في الغنائم أربعة من الجمال، وذلك بعد عزل الخمس من أصل الغنيمة (1).
- 3 -
سرية بني كلاب شهر ربيع الأول سنة تسع ه
ـ:
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تطهير بقايا جيوب المقاومة الوثنية الصغيرة في جزيرة العرب، فقد بلغه أن بطنًا من القرطاء من بني بكر بناحية نجد لا يزالون يناوئون ويتمسكون بالوثنية، فجرد عليهم حملة عسكرية بقيادة الضحاك بن سفيان (2) الكلابي، ولم يذكر أحد من المؤرخين عدد رجال هذه الحملة، إلا أن الواقدي ذكر أنها جيش، وهذا يعني أنها كانت تضم عددًا كبيرًا من المقاتلين.
وكان هؤلاء الوثنيون البكريون بناحية ضريَّة في نجد شرقي المدينة، وقد تحركت الحملة من المدينة لتأديبهم - وفيها الأصيد بن سلمة بن قرط - وقد التقى الضحاك بن سفيان وسريته بالأعداء القرطاء في مكان بنجد يقال له: زجّ لاوة، فدعوهم إلى الإِسلام، فكان جوابهم على هذه الدعوة
(1) انظر مغازي الواقدي ج 3 ص 754 و 755.
(2)
هو الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكلابي، يكنى أبو سعيد أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ينزل في بادية المدينة، وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وكتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابى من دية زوجها، وكان قتل خطأ، وكان من حراس رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمناء الأشداء، إذ كان يقوم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحًا بسيفه، وكان من الشجعان الأبطال يعد وحده بمائة فارس، شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم على سليم وهم سائرون إلى مكة لفتحها وكانوا تسعمائة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفًا؟ فوفاهم بالضحاك وكان رئيسهم وقد أثنى على الضحاك الشاعر الحكيم العباس بن مرداس السلمي فقال:
إن الذين وفوا بما عاهدتهم
…
جيش بعثت عليهم الضحاكا
أمرته ذرب السنان كأنه
…
لما تكشفه العدو يراكا
طورا يعانق باليدين وتارة
…
يفرى الجماجم حازمًا بتاكا
كان الضحاك بن سفيان ممن روى عنه الحديث الشريف، فقد روى عنه من التابعين، سعيد بن المسيب والحسن البصري (أسد الغابة ج 3 ص 36).
مباشرة الحرب، فاشتبك معهم المسلمون، فدارت بين الفريقين معركة انتهت بفوز المسلمين وهزيمة المشركين، وبهذا تم تطهير ذلك الجيب الوثنى الصغير المتبقى بناحية ضريَّة.
ومن عجيب المفارقات التي تأتي نتيجة الاختلاف في العقيدة أن أحد الأعيان المشتركين في سرية الضحاك بن سفيان (وهو الأصيد بن سلمة) لقى أباه سلمة في صفوف المشركين، فدعاه إلى الإِسلام، وأعطاه الأمان، فسبَّه، وسبّ الإِسلام.
فما كان من الأصيد إلا أن حمل على أبيه - وكان أبوه فارسًا - فضرب الأصيد عرقوب فرس أبيه، فلما وقع الفرس في الماء، ارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك به لئلا يغرق، فحمل عليه أحد جنود السرية فقتله، ولم يقتله ابنه، ولكنه يسر لغيره من المسلمين قتله غير آسف، حين عقر فرسه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث إلى القرطاء البكريين هؤلاء بكتاب يدعوهم فيه إلى الإِسلام، فاستهزأوا به وبكتابه، فأخذوا الصحيفة التي تحمل دعوتهم إلى التوحيد، فغسلوها من الحبر، ثم رقعوا بها إست دلوهم، وأبوا أن يجيبوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما دعاهم إليه.
فأنكرت امرأة عاقلة فهم ما فعلوا بكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهي أم حبيب بنت عامر بن خالد بن عمرو، ابنة ابن أخي سيد القوم حارثة بن عمرو .. أنكرت عليهم واستهجنت ما صنعوا، فقالت - وقولها يدل على أنها مسلمة -:
أيا ابن سعيد لا تكونن ضحكة
…
وإياك واستمرر لهم بمرير
أيا ابن سعيد إنما لقوم معشر
…
عصوا منذ قام الدين كلّ أمير
إذا ما أتتهم آية من محمد
…
محوها بماء البئر فهي عصير (1)
ويذكر أصحاب السير أن القرطاء لما فعلوا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوا
(1) هذا البيت فيه إقواء، وهو عيب في الشعر، ولكن هكذا جاء في مغازي الواقدي.