الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
• سيطرة المسلمين على جنوب الشام.
• رؤساء نصارى جنوب الشام يتوافدون على النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك ويعقدون معه الصلح.
• خالد بن الوليد يفتح الجندل.
• وقوع ملك دومة أسرًا ومقتل أخيه.
• النبي يفكر في اجتياز حدود الشام بجيشه.
• عودة الجيش إلى المدينة ظافرًا.
• محاولة المنافقين إغتيال النبي صلى الله عليه وسلم.
• قصة مسجد الضرار وإحراقه.
• موت زعيم المنافقين عبد الله بن أُبَيّ.
• قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزوة وقصة نزول القرآن بتوبتهم.
• القرآن يندد بالمنافقين ويفضحهم.
كذلك من أهم مكاسب حملة تبوك وفوائدها المعنوية العظمى، سريان هيبة الإِسلام إلى ما وراء حدود الجزيرة العربية وداخل بلاد الشام نفسها، مما كان له الأثر في تخوف بعض الحاكمين المحليين ورجال الدين المسيحي في الركن الجنوبي من الشام حيث يقع رأس خليج العقبة، فقد جاء البعض من الحكام المحليين ورجال الدين هؤلاء إلى تبوك باختيارهم، جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما علموا بوجوده في تبوك، وعقدوا معه صلحًا وطلبوا منه الأمان على أن يكونوا سلمًا له، ولا يعينون عدوا عليه، فأعطاهم ذلك كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.
ومجئ هؤلاء المسيحيين خاضعين طائعين للنبي صلى الله عليه وسلم من الشام يعتبر أول فتح إسلامي في بلاد الشام التي تعتبر يوم ذاك جزءًا من الإِمبراطورية الرومانية فإيلات التي جاء منها إلى تبوك هؤلاء النصارى تعتبر جزءًا من فلسطين، وفلسطين جزء من الشام.
ولم يكن أهل إيلة (إيلات) النصارى وحدهم الذين جاءوه وأعطوه الجزية وأعلنوا قبول سلطان الإِسلام، بل جاءه أيضًا حكام مناطق أخرى في الشام وهي أذرح (1) وجرباء (2).
فقد جاء في كتب التاريخ المعتمدة أن ملك أيلة (إيلات) وأهل أذرح وجرباء، لما بلغهم وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك خافوا أن يتقدم إليهم بجيشه فسارعوا بالمجئ إليه ليبرموا معه الصلح باذلين له الطاعة والجزية التي يدفعها المعاهدون للمسلمين حسب النظم التي سنها القرآن الكريم.
فقد ذكر الواقدي أن أهل دومة وتيماء (3)، قد خافوا النبي صلى الله عليه وسلم لما رأوا العرب قد أسلمت، وقدم يحنة بن رؤبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحنة ملك
(1) قال ياقوت في معجمه ج 1 ص 129: "أدرح -بفتح أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه- بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة، ثم من نواحى البلقاء وعمان مجاورة لأرض الحجاز، وفي كتاب مسلم بن الحجاج: بين أذرح والجرباء ثلاثة أيام.
(2)
والجرباء منطقة من أعمال عمان بالبلقاء وهي قرب جبال السراة من ناحية الحجاز، وبين أذرح والجرباء كان مؤتمر التحكيم الذي ترأسه عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري بعد انتهاء معارك صفين المؤسفة.
(3)
تيماء: تقع على ثماني مراحل شمال المدينة.
أيلة (إيلات)، وأشفقوا أن يبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم بجيش، وأقبل مع يحنة أهل جرباء وأذرح، فأتوه فصالحهم فقطع عليهم الجزية (أي فرضها).
وقال الواقدي في موضع آخر: حدثني يعقوب بن محمد الظفرى، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، قال: رأيت يحنة بن رؤبة يوم أتى النبي صلى الله عليه وسلم عليه صليب من ذهب، وهو معقود الناصية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كفر (1) وأومأ برأسه، فأومأ إليه النبي: ارفع رأسك، وصالحه يومئذ، وكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردًا يمنة (2)، وأمر له بمنزل عند بلال (3).
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنة وقومه وثيقة الصلح والأمان وهي: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة، لسفنهم وسائرهم في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة محمد رسول الله، ولمن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، ومن أحدث حدثًا فإنه لا يحول ماله دون نفسه وأنه طيب لمن أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوا ماءًا يريدونه، ولا طريقًا يريدونه من بر أو بحر) هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية على أهل أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة وكانوا ثلاثمائة رجل.
كما كتب كذلك لأهل جرباء أذرح هذه الوثيقة: (من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة والله كفيل)(4).
قال الواقدي: نسخت كتاب أذرح وإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم،
(1) قال في لسان العرب ج 6 ص 466: التكفير إيماء الذمى برأسه، والتكفير لأهل الكتاب أن يطأطئ أحدهم رأسه لصاحبه كالتسليم عندنا، والتكفير أن يضع يده أو يديه على صدره.
(2)
اليمنة قال في الصحاح: بردة من برود اليمن.
(3)
مغازي الواقدي ج 3 ص 1032.
(4)
سيرة ابن هشام ج 4 ص 169 وفتوح البلدان ص 71 وإمتاع الأسماع ص 468 - 469 وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 821 ومغازي الواقدي ج 3 ص 031 1 - 032 1 والبداية والنهاية ج 5 ص 16 - 17 وزاد المعاد ج 3 ص-10.
من محمد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة والتغرير إذا خشوا على المسلمين وهم آمنون، حتى يحدث إليهم محمد قبل خروجه.
كذلك عقد الرسول صلى الله عليه وسلم معاهدة صلح مع حكام مقنا (1) وكتب لهم بهذه المعاهدة وثيقة جاء فيها: (أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد وأن عليهم ربع غزولهم وربع ثمارهم)(2).
وكان عبيد بن ياسر (3) أحد بني سعد ورجل من جذام (4) أحد بني وائل، قدما على النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك، فأسلما وأعطاهما النبي صلى الله عليه وسلم ريع مقنا مما يخرج من الحر ومن الثمر من نخلها وربع المغزل، وكان عبيد بن ياسر فارسًا، وكان الجذامى راجلًا، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرس عبيد بن ياسر مائة ضفيرة - والضفيرة الحلة - فلم يزل يجرى ذلك علي بني سعد وبنى وائل إلى يوم الناس هذا، ثم إن عبيد بن ياسر قدم مقنا وبها يهودية، وكانت اليهودية تقوم على فرسه فأعطاها ستين ضفيرة من ضفائر فرسه، فلم يزل يجرى على اليهودية حتى نزعت آخر زمان بني أمية، فلم تردّ إليها ولا إلى ولد عبيد (5).
وفي فتوح البلدان للبلاذري: جاء نص وثيقة الصلح لأهالى مقلنا: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى بني حبيبة وأهل مقنا، سلم أنتم فإنه أنزل على أنكم راجعون إلى قريتكم فإذا جاءكم كتابى هذا، فإنكم آمنون ولكم ذمة الله وذمة رسوله، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر لكم ذنوبكم (أي ما ارتكبتم من مخالفات ضد المسلمين) وكل دم اتبعتم به، لا شريك لكم في قريتكم إلا رسول الله أو رسول رسول الله، وإنه لا
(1) مقنا (بفتح الميم وسكون النون) منطقة قرب إيلات.
(2)
مغازي الواقدي 3 ص 1032 - 1033.
(3)
ذكره ابن حجر في الإصابة باسم عبيد بن بسر.
(4)
انظر فيما مضى من هذه السلسلة ترجمة قبيلة جذام الكبرى وتحديد مناطق سكناها في سينا والشام وجزيرة العرب.
(5)
مغازي الواقدي ج 3 ص 1032 - 1033.