الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
• نزول القرآن بفريضة الحج.
• أبو بكر الصديق يحج بالمسلمين نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
• علي بن أبي طالب يبلغ المشركين إنذار القرآن لهم بأن لا يحجوا بعد ذلك العام.
• عام الوفود وتكامل الإِسلام في جزيرة العرب.
• مقابلة زعماء نصارى نجران للنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وقصة المباهلة.
• جمع الزكوات من المسلمين.
• النبي يحج حجة الوداع.
• تجهيز جيش أسامة إلى الشام.
• مرض الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والتحاقه بالرفيق الأعلى.
أما أهم حدث تشريعى بعد غزوة تبوك فهو افتراض الله الحج على المسلمين في أواخر السنة التاسعة من الهجرة، ولم يكن الحج قبل تلك السنة مفروضًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته يحج مع المشركين، أما بعد الهجرة فلم يحج إلا حجة واحدة هي حجة الإسلام والمسماة بحجة الوداع.
وبعد أن فرض الله الحج على المسلمين في التاسعة الهجرية، لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة، لأن عناصر من المشركين كانت حتى تلك السنة تحج، لذلك والله أعلم - بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق أميرًا على الحج بالمسلمين، فحج معه ثلاثمائة من المسلمين.
وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين بعض المشركين عهد، ولما كان تقرر أن تتطهر جزيرة العرب كلها من دنس الشرك ونزلت سورة براءة بذلك، هذه السورة التي حددت فيها أربعون آية العلاقة بين الإسلام والوثنية، حيث أعلن في هذه الآيات أنه لا مكان بعد مدة حددها القرآن - للشرك في جزيرة العرب.
ولما كان الوفاء بالعفود من أخص خصائص الإسلام، فإن القرآن (حين
أمهل المشركين الذين لم يكن لهم عهد، أربعة أشهر ليكون لهم فيها مطلق الحرية في أن يختاروا الدخول في الإسلام أو مغادرة الجزيرة العربية) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تخص بالمشركين الذين لهم عهد إلى مدة - أن يتركوا وشأنهم حتى تتهى مدتهم ماداموا لم يرتكبوا مخالفة تخل بالعهد الذي كان بينهم وبين المسلمين، ثم يطبق عليهم - بعد انتهاء المعاهدة - ما تضمنته آيات الإنذار الموجهة إلى المشركين ككل. وقد كان هذا الأمر صريحًا في صورة براءة التي تضمنت الإنذار فقد قال تعالى:{إلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .
وكانت سورة براءة قد نزلت بعد أن فصل أمير الحج أبو بكر من المدينة، ولذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات الإنذار لتتلى على المشركين، ابن عمه علي بن أبي طالب، وقد أدرك على أمر الحج أبا بكر بمنطقة العرج قرب الطائف.
فقد ذكر أصحاب الحديث والسير أن أبا بكر لما كان با العرج في السحر سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصوى، فقال: هذه القصوى، فنظر فإذا علي بن أبي طالب عليها. فقال له: استعملك رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثنى أقرأ براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده، فمضيا الاثنان أبو بكر أمير على الحج وعلى مبعوث خاص للنبي صلى الله عليه وسلم لإبلاغ المشركين الإِنذار الذي جاءت به سورة براءة.
ولما كانت الحجة التي حج فيها أبو بكر بالمسلمين أميرًا هي الحجة الأولى المفروضة في الإِسلام فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الأمير أبا بكر أن يصلح في الحج ما أفسده المشركون فيخالفهم فيما ابتدعوه في أعمال الحج، فأمر أن يكون وقوفه (يوم الوقوف) بعرفة لا بمزدلفة، وكانت قريش لا تقف في الحج بعرفة وإنما تقف بمزدلفة، كما أمره أن لا يدفع من عرفة حتى تغرب الشمس، وأمره كذلك أن يدفع بالحجيج من مزدلفة قبل طلوع الشمس.
فخرج أبو بكر بن المدينة حتى قدم مكة - وهو مفرد بالحج - فخطب الناس قبل يوم التروية بيوم بعد الظهر، أي في الوم السابع من ذي الحجة. ولم نجد فيما بين أيدينا من مصادر نصًّا لهذه الخطبة، ولما زاغت الشمس يوم التروية (وهو اليوم الثامن) طاف بالبيت سبعا، ثم ركب راحلته من باب بني شيبة إلى منى، وصلى بها هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ولم يتحرك إلى عرفات يوم التاسع من ذي الحجة حتى طلعت الشمس على ثبير (1)، وبعد أن ركب من منى انتهى إلى نمرة (2) وهناك نزل في قبة من شعر فقال فيها، فلما زاغت الشمس ركب راحلته حتى وصل بطن عُرَنة (3)، وهناك صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم ركب راحلته إلى عرفة، وهناك وقف بالهضاب والمصلى سحابة نهاره، حتى إذا ما غربت الشمس دفع أي خرج بالحجيج، وكان يسير العنق حتى انتهى إلى
(1) تبير (بفتح أوله وكسر ثانيه): جبل يشرف على منى.
(2)
نمرة (بفتح أوله وكسر ثانيه) قال ياقوت: ناحية بعرفة.
(3)
عُرَنة (بضم أوله وفتح ثانيه): واد بحذاء عرفات على طريق السائر.