الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خزاعة تطرد بني تميم من بلادها:
لقد كان تصرف بني تميم يحمل كل معاني الرعونة والصفاقة، فهم ليسوا في بلادهم وإنما منتجعون ضيوف في بلاد خزاعة، ولولا حلم خزاعة ورعايتها جانب قرابتها من بني تميم لفتكوا بهم، ولقد غضبت خزاعة لتصرف بني تميم، وقالت لبنى تميم: لولا قرابتكم ما وصلتم إلى بلادكم، ليدخلن علينا بلاء من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنفسكم، تعرضون لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، تردّونهم عن صدقات أموالنا. ثم أمرت خزاعة بني تميم أن يخرجوا من بلادها في الحال، وذلك كتعبير عن عدم رضي خزاعة بما صنعت تميم، فخرج بنو تميم هاربين من ديار خزاعة إلى بلادهم.
وعندما اطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على ما حدث من بني تميم. قال: من لهؤلاء القوم الذين فعلوا ما فعلوا؟ فقال عيينة بن حصن الفزاري: أنا والله لهم، أتبع آثارهم ولو بلغوا يبرين حتى آتيك بهم إن شاء الله، فترى فيهم رأيك أو يسلموا.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة على رأس قوة صغيرة من الفرسان قوامها خمسون فارسًا، كلهم من البادية، ليس بينهم مهاجر واحد ولا أنصارى، فأسرع عيينة بقواته الخفيفة كى يعترض بني تميم قبل أن يصلوا بلادهم، فصار يسير الليل ويكمن لهم بالنهار، وكان يتبع أخبارهم، فبلغه أنهم قد خيموا في أرض بني سليم، فلما عرف مكانهم توجه بفرسانه لمهاجمتهم.
وعندما شنّ عليهم الهجوم لم يثبتوا له، بل ولوا هاربين، ولكنه تمكن من أن يأسر أحد عشر رجلا منهم، كما سبى إحدى عشرة امرأة منهم وثلاثين صبيًّا، فحمل الجميع إلى المدينة، فأنزلهم الرسول صلى الله عليه وسلم في دار، رملة بنت الحارث، إلى أن جاء وفد كبير من تميم مذعنين، وأعلنوا إسلام تميم كلها، فأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم أسراهم ثم أعاد إليهم نساءهم وصبيانهم كما هو مفصل في أخبار وفد تميم المشهورة، والذين أنزل الله تعالى فيهم {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].
- 2 -
حملة لتأديب خثعم (1) .. صفر سنة تسع هجرية:
وهي دورية قتال صغيرة مكونة من عشرين رجلًا، أعطى الرسول قيادتهم إلى قطبة بن عامر بن حديدة (2)، وأمرهم أن يغيروا على حيّ من خثعم ظلوا على الوثنية، وهم في ناحية تبالة .. فخرج قطبة بن عامر في صحبة، ومعهم عشرة جمال، يتعقبونها، وقد غيّبوا السلاح، زيادة في التكتم، وصارت الحملة تكمن بالنهار وتسير الليل.
وعندما وصلوا إلى مكان يقال له: بطن مسحب وجدا رجلًا فاستجوبوه - وكان كما يبدو - من قبيلة خثعم، فلم يخبرهم بشيء، بل صاح محاولًا إنذار الوثنيين من خثعم فقتله قطبة بن عامر قائد السرية.
ثم أقام عامر بسريته مكانهم حتى مضت ساعة من الليل، فبعث برجل طليعة يستكشف مواقع العدو، فعرف مواقعهم وأنهم مخيمون في الحضر وعندهم الإبل والشاء، فأصدر قطبة إلى رجاله الأوامر بالهجوم، على أن يدبّوا دبيبًا بحيث لا يشعر بهم الحرس، وعلى أن يكون الهجوم بعد أن يهدأ من في الحى ويناموا.
وفعلًا لما هدأ رجال العدوّ وناموا كبّر قطبة ورجاله وشنّوا عليهم الغارة، فخرج إليهم من في الحاضر، فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثرت الجراح في الفريقين، واستمرت المعركة إلى أن أصبح الصباح، وعندها جاءت النجدات الكثيرة من خثعم وكادت سرية قطبة تطوق من جميع الجهات، إلا أن الله جاء بسيل عظيم حال بين نجدات خثعم وبين أسياد قومهم المشتبكين مع رجال قطبة بن عامر حيث لم يستطعوا عبور الوادي، وهنا تمكن قطبة وسريته من القضاء على جميع من في الحى، ثم استولى على كل ما في الحى من نعم وشاء واستاق بعه جميع النساء سبايا، وعاد بالجميع إلى المدينة، فكان حصة كل رجل من
(1) خثعم: قبيلة يمانية قحطانية، تقع منازلهم ما بين بيشة وتربة، وقد كانت خثعم جيلًا عظيمًا محاربًا في الجاهلية، وقد قامت بغزو ثقيف في الطائف، فهزمتهم ثقيف.
(2)
انظر ترجمة قطبة بن عامر في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).