الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضخمة أهدافها، بعث الرسول صلى الله عليه وسلم القائد خالد بن الوليد لإخضاع مملكة دومة الجندل في أربعمائة مقاتل كلهم من الفرسان، وقد تغلبوا على قوات ملك دومة الجندل الأكيدر وأسروا هذا الملك كما سيأتي تفصيله في حينه.
وقبل تحرك الجيش إلى تبوك، أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا منع بموجبه اشتراك أي إنسان معه في هذه الغزوة التاريخية ما لم يكن مجهزًا تجهيزًا كاملًا بكل ما يحتاجه للقتال من سلاح وإعاشة ووسيلة نقل من خيل أو جمل، وذلك لبعد المسافة وشدة الحر، فقد ذكر أصحاب السير والمغازى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخرج معنا إلا مقو (أي ذو قوّة) فخرج رجل على بكر صعب، فصرعه، فقال الناس: الشهيد، الشهيد، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادى: لا يدخل الجنة إلا مؤمن -أو إلا نفس مؤمنة- ولا يدخل الجنة عاص، كان الرجل طرحه بعيره بالسويداء.
وهكذا وفي شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة فصل الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة في اتجاه تبوك بجيشه البالغ ثلاثين ألف مقاتل، وفشلت كل محاولات المنافقين التي بذلوها لتمزيق وحدة هذا الجيش وتفريق كلمته كى يفشل الغزو الذي هو أضخم عمل عسكرى يقوم به الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته من حيث كثرة العدد وأهمية الأهداف التي حققها هذا الغزو، وهو إرهاب الإِمبراطورية الرومانية التي تعتبر آنذاك -وبعد انتصارها على إمبراطورية الفرس- أعظم قوة في العالم، حيث سحبت هذه الإِمبراطورية وحداتها العسكرية الضخمة التي كانت قد حشدتها على حدود جزيرة العرب عند تبوك، وذللك بمجرد علمها بوصول الجيش النبوي إلى تبوك.
الأربعة المؤمنون المتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
-.
لم يتخلف أحد من المسلمين الصادقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك من غير عذر، سوى أربعة نفر، كلهم من الأنصار، لا
عن شك وارتياب، وإنما أدركهم الضعف البشرى وأثر عليهم أكثر من غيرهم، وهؤلاء هم: كعب بن مالك (1)، وهلال بن أمية (2)، ومرارة بن الربيع (3)، وأبو خيثمة.
أما أبو خيثمة فقد تغلب على ضعفه البشرى أمام مغريات الحياة، فسارع إلى اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الثلاثة الآخرون، فقد تخلفوا في المدينة وقعد بهم الضعف البشرى، يقولون كل يوم نلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم حتى انتهت مهمة الرسول في تبوك وعاد إلى المدينة، فأمر المسلمين أن يقاطعوهم كتأديب لهم، لأنهم تخلفوا عن الجيش والتجنيد فيه إجبارى، وظل المسلمون لا يكلمون الثلاثة حتى لاقوا من العذاب النفسى المدمر ما الله به عليم وذلك تمحيص لهم، وبقوا هكذا نيفا وخمسين ليلة حتى نزل القرآن يعلن توبتهم، لأنه لم تكن هناك أية شائبة تشوب إيمانهم وإسلامهم في أية ناحية، ولكن الإنسان خطاء والله يقبل التوبة عن عباده، وسنأتى على قصة هؤلاء الثلاثة المخلفين الكرام فيما يأتي من فصول هذا الكتاب إن شاء الله.
أما أبو خيثمة الذي هزم نفسه الأمارة بالسوء وسحق مقاومة الضعف البشرى في نفسه، فلنتركه هو، يحدثنا عن قصته الشيقة ففيها عبر كثيرة، ففيها أن كل إنسان -حتى خيار الناس من الصحابة- يمسك الشيطان بمقوده، ولكن المهم كيف يتمكن المؤمن انتزاع مقوده من الشيطان بعد أن أمسك به كما فعل أبو خيثمة الذي تغلبت قوة وجدانه الإِسلامي على ضعفه الإِنسانى البشرى، فترك الشيطان -بعد أن ظفر به- يتميز من الغيظ.
كان أبو خيثمة مؤمنا لا يتهم في إسلامه ولا يغمص عليه، فرجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام حتى دخل على امرأتين له في يوم حار، فوجدهما في عريشين لهما، قد رشت كل واحدة منهما عريشها
(1) انظر ترجمته في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).
(2)
هو هلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم الأوسى الأنصاري شهد بدرًا وأحدًا كان قديم الإسلام، كان يكسر أصنام بني واقف وكانت مع رايتهم يوم الفتح.
(3)
هو مرارة بن الربيع بن ربعي بن عدي بن زيد الأوسى الأنصاري شهد بدرًا.
وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما انتهى إليهما قام على العريشين فقال: سبحان الله، رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، في الضح (بكسر أوله، والضح ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض) والريح والحر يحمل سلاحه على عنقه، وأبو خيثمة في ظلال بارد وطعام مهيأ وامرأتين حسناوين، مقيم في ماله، ما هذا بالنصف، ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى أخرج فألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأناخ ناضحه (1) وشد عليه قتبه وتزود وارتحل، فجعلت امرأتاه يكلمانه ولا يكلمهما، حتى أدرك عمير بن وهب الجمحى (2) بوادى القرى يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فصحبة فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة: يا عمير إن لي ذنوبًا، وأنت لا ذنب لك، فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك، ففعل عمير، فسار أبو خيثمة حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نازل بتبوك- قال الناس: هذا راكب الطريق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة. فقال الناس: يا رسول الله، هذا أبو خيثمة، فلما أقبل فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى لك يا أبا خيثمة، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له.
وكان فيمن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ثم لحق به، أبو ذر الغفاري (3) ذلك بسبب ضعف بعيره الذي كان يركبه، والذي -لهزاله- عجز عن المشي، فتركه ولحق (مشيا على الأقدام) برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد قال الواقدي: وكان أبو ذر يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيرى، كان نضوا (4) أعجف، فقلت: أعلفه أيامًا ثم ألحق برسول الله
(1) الناضح الجمل المعد للركوب.
(2)
انظر ترجمة عمير بن وهب الجمحى في كتابنا (غزوة بدر).
(3)
انظر ترجمة أبي ذر في كتابنا (صلح الحديبية).
(4)
قال في النهاية: النضو (بكسر النون) الدابة التي أهزلتها الأسفار وأهبت لحمها.