الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به من حلى. قال الواقدي: حتى إن كنّ النساء ليعنّ بكل ما قدرن عليه. قالت أم سنان الأسلمية (1): لقد رأيت ثوبًا مبسوطًا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة فيه مسك ومعاضد (2) وخلاخل وأقرطة وخواتيم وخدمات، مما يبعث به النساء يعنّ به المسلمين في جهازهم والناس في عسرة شديدة (3).
عناصر التخريب تتحرك في المدينة:
لا شك أن الظرف الذي حشد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه الضخم للتحرك نحو الشمال لإرهاب الروم، كان ظرفًا صعبًا بالنسبة للمسلمين الغزاة من جهات كثيرة، فقد كان الناس في عسرة شديدة، حتى أن الإِمام البخاري سمّى غزوة تبوك هذه: غزوة العسرة (4).
وبالإضافة إلى الضائقة العامة والعسرة الشديدة التي عليها المسلمون، كان الوقت وقت حر شديد، وكانت ثمار النخل قد طابت، والنفوس بطبعها ميالة في ذلك الظرف إلى التمتع بالظلال في عروشهم بين النخيل، فالناس -كما قال أصحاب السير- يحبّون (في ذلك الظرف) المقام في ديارهم ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان، الذي هم عليه، والضائقة التي تأخذ بتلابيبهم.
ولكن الأغنياء وميسورى الحال من الصحابة قد خففوا بتبرعاتهم السخية العظيمة من هذه الضائقة المادية، ولكن شدة الحر اللاهب، والخروج من المدينة في وقت طابت فية الثمار حيث يودّ الكثير قطفها والتمتع بها في ظل النخيل والعروش، جعل الناس يودون لو أنهم لم يغادروا المدينة في ذلك الفصل، ولكنه أمر .. أمر عسكرى من الرسول القائد صلى الله عليه وسلم وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قضى به لا يجوز لمسلم أن يخالفه حتى وإن لم تكن نفسه ميّالة إليه.
(1) هي أم سنان الخ.
(2)
المسك (بفتح أوله وثانيه) أسورة من عاج أو ما شابهه، والمعاضد: الدماج، وهو ما توضعه النساء في عضدهن.
(3)
مغازى الواقدي ج 3 ص 992.
(4)
البخاري ج 6 ص 1.
ووجدت عناصر التخريب من المنافقين المناخ مواتيًا للتخريب والإِرجاف وبث الإِشاعات المثبطة للعزائم في صفوف الجيش، فقد ساء هذه العناصر النافقة المنتسبة إلى الإِسلام والمحسوبة على المسلمين، ساءها ما رأت من شوكة حربية عظيمة، لم يكن للمسلمين مثلها منذ بزغت شمس الإِسلام، فحاولت هذه العناصر الخبيثة، وهي الرتل الخامس من الباطنيين الذين سماهم الله تعالى في القرآن (المنافقين) حاولت القيام بأعمال التخريب داخل صفوف الجيش الذي كان يتم حشده، وذلك بمحاولة بث الإِرجاف وتثبيط الهمم وتفريق الكلمة وإحداث البلبلة والتشويش بين مختلف فئات المسلمين، كى يعجز الرسول صلى الله عليه وسلم عن حشد الجيش المطلوب، فيفشل الغزو.
غير أن الطابور الخامس من هؤلاء المنافقين -رغم محاولاتهم المستميتة لم يجنوا سوى الفشل الذريع، فقد تجاهلهم المؤمنون الصادقون وسخروا من محاولاتهم الخبيثة، فاستجابوا لداعى الجهاد بغير تردد، سواء منهم الحاضرة أو البادية، فتم حشد ذلك الجيش اللجب الذي بلغ ثلاثين ألفًا.
وقد فطن الرسول القائد صلى الله عليه وسلم لتحركات المنافقين المشبوهة، فقضى عليها، وتتبع خلاياهم التخريبية السرية، فكشفها، وهدم الأوكار التي تحوك فيها هذه الخلايا الباطنية الخبيثة مؤامراتها ضد وحدة المسلمين، كما نزل القرآن الكريم يندد بهؤلاء المنافقين، ففضحهم، وثبت المؤمنون الصادقون، وتحرك الجيش بكامله من المدينة حسب الخطة المرسومة، حتى أدى مهمته وحقق أهدافه على أكمل وجه، رغم أنه قد اندس فيه جماعات من الرتل الخامس (المنافقين). ورغم أن هؤلاء المنافقين قد نجحوا في حمل بعض الوحدات على التمرد بالانسلاخ عن الجيش بعد أن انخراط في سلكه، ولكن انسلاخ هذه الوحدات كان في صالح المسلمين، حيث كانت عناصر مشبوهة معادية للإِسلام في الباطن، ومنتسبة إلى المسلمين في الظاهر.
فلو أن هذه العناصر الخبيثة المشبوهة ظلت (مع كثرتها) داخل الجيش الإِسلامي حتى عودته من تبوك، لكانت عامل تخريب وفتنة داخل هذا الجيش المؤمن، وما زادته إلّا شرًّا وخبالًا كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك: