الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كقائد عسكرى حريصًا على سلامة جيشه، وخاصة بعد أن نجح في حشده وتجهيزه، وكان حذرًا كل الحذر من دسائس المنافقين واستمرار محاولاتهم في التأثير بروحهم الخبيثة على الجيش، فبعد أن تم حشده وتجهيزه، سارع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الخروج به من المدينة، وبذلك عزله عن عناصر الرتل الخامس من المنافقين، بعد تصفيته منهم. قال الواقدي: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالانكماش (أي الإسراع) والجد، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره بثنيّة الوداع (خارج المدينة) والناس كثير لا يجمعهم كتاب.
نماذج من تصرفات المنافقين:
لقد كان المنافقون -منذ قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة- وهم يضمرون العداوة للمسلمين ويسببون المتاعب للرسول صلى الله عليه وسلم وسائلهم الباطنية الخبيثة، فكانوا لا يصارحون المسلمين بالعداوة، بل يبدون في الظاهر وكأنهم مسلمون بما يؤدون من شعائر معهم كالصلاة والحج وغير ذلك من الشعائر الظاهرة، ولكنهم في الباطن يكيدون للمسلمين كلما سنحت لهم الفرصة سرًّا.
ولما كان هؤلاء المنافقون يحملون الهوية الإسلامية، حيث يعتبرون -لاعتناقهم الإسلام ظاهرًا- جزءًا من الأمة الإسلامية، فإن القانون الإسلامي الذي يحكم به النبي صلى الله عليه وسلم لم يضعهم تحت طائلة أية عقوبة، رغم القرائن والمؤشرات التي تشير -من خلال تصرفاتهم- إلى خبث طويتهم وإضمارهم البغض والكيد للإسلام والمسلمين، لأن هذا القانون الإسلامي لا يصدر حكمًا بالعقوبة إلا ضد جريمة معلنة ثابتة مشهودة، وعلى أساس هذا القانون كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل هؤلاء المنافقين، فلم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم على أحد منهم بعقوبة استنادًا إلى ما تضمره نفوسهم وتنطوى عليه من كيد وبغض للمسلمين، ورغبة ملحة في إلحاق الضرر بهم.
وفي ظل القانون الإسلامي هذا ظل هؤلاء المنافقون -رغم ما يضمرون من شر للمسلمين- يتمتعون بحقوق المواطن المسلم، رقد استغلوا تمتعهم بهذا الحق لجعله ستارًا يكيدون من خلفه للإسلام ويعملون بكل إمكاناتهم (سرًّا) للتآمر على كيان المسلمين، فلا تسنح لهم فرصة يظنون أنهم قادرون فيها على الإضرار بالمسلمين (على أي مستوى) إلا واغتنموها كي يصيبوا المسلمين بهذا الضرر ولكن بخبث وحذر بحيث لا يقعون تحت طائلة القانون.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم وبما عرف عنه من مرونة وتسامح وصبر- يلجأ دائمًا إلى تجاهل تصرفات هؤلاء المنافقين، حتى وإن بلغت -في بعض الأحيان- حد الضرر الواضح بالمسلمين، كما حدث في غزوة أحد، حين تمرد ثلاثمائة منافق بقيادة عبد الله. بن أُبَيّ كانوا قد انخرطوا في سلك الجيش النبوي الذاهب إلى أحد لمواجهة قريش، فرجع عبد الله بن أبَيّ بهؤلاء المنافقين من منتصف الطريق بين المدينة وأحد، بقصد توهين عزائم المسلمين وإحداث الفرقة في صفوفهم وتقوية معنويات المشركين الذين كانوا يرون ما يحدث من تمرد من هؤلاء المنافقين، ومع ذلك فلم يتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم أي إجراء تأديبى ضد هؤلاء المنافقين، بالرغم من اقتراح بعض أصحابه -آن ذاك- بتصفية هذه العناصر التخريبية المنافقة عسكريًا قبل ملاقاة قريش (1).
ومثل هذه المواقف المشينة سبق وأن تكررت من عناصر النفاق كما حدث من زعيمهم من إثارة للفتنة في غزوة بني المصطلق، وإشاعة قالة السوء الكاذبة في أم المؤمنين الطاهرة عائشة رضي الله عنها، والتي على أثرها طلب الابن الصالح لهذا المنافق وهو (أي الابن) عبد الله بن عبد الله بن أُبَيّ السماح له بقتل أبيه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قرر (ولابد قتله)، ولكن الرسول عالج تلك المشاكل والبلبلات التي أثارها عبد الله بن أُبيّ. عالجها بكل حكمة، ولم يسمح بقتل رأس النفاق، بل تركه وشأنه، حتى اكتشفه أبناء عشيرته على حقيقته الخبيثة فمقتوه، وصار نفوذه يتضاءل
(1) انظر تفاصيل تمرد المنافقين هذا في كتابنا الثاني (غزوة أحد).