الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشركين يحجون ويطوفون عراة فأخر الحج حتى نبذ إلى كل ذي عهد عهده، وذلك في السنة التاسعة ثم حج في العاشرة (بعد إمحاء رسوم الشرك)(1).
النبي لم يحج حجة الإِسلام في العمر إلا مرة:
والثابت عند المحققين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج في حياته (بعد فرضية الحج) إلا مرة واحدة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته "وعندما كان مغلوبًا على أمره"، يشهد كل سنة مواسم الحج يعرض نفسه على القبائل يدعوهم إلى الإِسلام، في هذه المواسم التي كانت السيطرة الكاملة فيها للمشركين الذين يؤدون الحج حسب التقاليد مخالفين التعاليم الإِسلامية حتى أنهم دائمًا يقفون في غير التاسع من ذي الحجة وذلك التلاعب في الأشهر الذين يباشرونه وهو النسئ الذي نعاه الله تعالى عليهم.
قال السهيلى في شرح السيرة النبوية: "لا ينبغي أن يضاف إليه "أي النبي صلى الله عليه وسلم" في الحقيقة إلا حجة الوداع، وإن حج مع الناس، إذ كان بمكة، فلم يكن ذلك الحج على سنة الحج وكماله لأنه صلى الله عليه وسلم كان مغلوبًا على أمره، وكان الحج منقولًا عن وقته، فقد ذكر أن أهل الجاهلية كانوا ينقلون الحج على حساب الشهور الشمسية ويؤخرونه في كل سنة أحد عشر يومًا (2).
أما العمرة فالمتفق عليه بين المحققين أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر. أولها عمرة الحديبية حين منعه المشركون دخول مكة فعقد معهم الصلح المشهور في ذي القعدة عام 6 هجرية فتحلل وحسبت له عمرة. وثانيها في
(1) تاريخ الخميس ج 2 ص 148.
(2)
تاريخ الخميس ج 2 ص 148 .. وروى عن الصحابي جبير بن مطعم أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف بعرفة قبل النبوة. وكانت قريش كلها تقف بجمع "يعني مزدلفة" إلا شيبة بن ربيعة. وعن أسماء بن أبي بكر، قال كان شيبة بن ربيعة من بين قريش يقف بعرفة، عليه ثوبان أسودان، وزمام بعيره من شعر بين غرزين "الغرز الرجل من جلد" أسودين، حتى يقف مع الناس بعرفة، ثم يدفع بدفعهم، فإننا لا نتكلم مع الناس -يعني العرب- كانت تقف بعرفة وقريش تقف بجمع "يعني مزدلفة" تقول: نحن أهل الله "مغازي الواقدي ج 3 ص 1102".
ذي القعدة من العام المقبل وهي سنة سبع وهي عمرة القضاء، وثالثها في ذي القعدة سنة ثمان وهي عام الفتح، حيث اعتمر من الجعرانة بعد أن قسم غنائم حنين، وأربعها مع حجته الكبرى سنة عشر هجرية، وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في الحجة كذا رواه البخاري في صحيحه.
ولذا أعلم الرسول صلى الله عليه وسلم الناس أنه حاج هذا العام، فاجتمع بشر كثير يريدون الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل إنهم كانوا يزيدون على مائة ألف.
وكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة للحج يوم السبت في السادس والعشرين من شهر ذي القعدة عام 10 هجرية، وكان خروجه بين الظهر والعصر. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا والعصر ركعتين بذى الحليفة قصرًا ولم يثبت عنه أنه صلى ركعتين خاصة قبل الإِحرام كما يفعل الكثير ظنًّا منهم أن أداءهما سنة.
وقد كان دخوله مكة للحج صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة فتكون السافة التي قطعها بين مكة والمدينة ثمانية أيام.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرم بالمدينة في ثوبين صحاريين (1)، إزار ورداء، وأبدلهما بالتنعيم من جنسهما، قالوا وساق الرسول صلى الله عليه وسلم مائة بدنة هديا (2).
وكان دخوله مكة من أعلاها، حتى انتهى إلى الباب الذي يقال له، باب بني شيبة، وعندما دخل المسجد بدأ بالطواف قبل الصلاة، ولما انتهى استلم الركن وهو مضطبع (3) بردائه وقال: بسم الله والله أكبر، وكان يقول بين الركن اليماني والأسود "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (4) ". ونهى عن المزاحمة على الحجر الأسود، فقد قال لعمر بن الخطاب: إنك رجل قوي، إن وجدت الركن خاليا فاستلمه، وإلا فلا
(1) نسبة إلى صحار بلدة باليمن.
(2)
مغازي الواقدي ج 3.
(3)
أي جاعلًا طرفي الرداء على كتفه الأيسر.
(4)
مغازي الواقدي ج 3 ص 1098.
تزاحم الناس فتؤذي وتؤذى. وقال لعبد الرحمن بن عوف: كيف صنعت بالركن يا أبا محمَّد؟ قال: استلمت وتركت. قال: أصبت.
وبعد أن انتهى صلى الله عليه وسلم من الطواف الذي رمل فيه ثلاثًا ومشى أربعًا. تقدم إلى المقام، فقرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1) ثم جعل المقام بينه وبين البيت فصلى فيه ركعتين وكان يقرأ في الركعتين قل يا أيها الكافرون وقيل هو الله أحد. وبعد أن انتهى من صلاته رجع إلى الركن واستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفاء من باب بني مخزوم وقال: أبدأ بما بدأ الله به. ثم أكمل الطواف بين الصفاء والمروة على راحلته. وكان يقول عندما يرتقى الصفا أو المروة: لا إله إلا الله. وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات (2).
فلما أكمل سعيه أمر كل من لا هدى معه أن يحل حتما قارنا كان أو مفردًا، وأمرهم أن يحلوا الحل كله من وطء النساء ولبس المخيط، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية، ولم يحل هو صلى الله عليه وسلم من أجل هديه، وهناك قال: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدى معى ولجعلتها عمرة.
ولم يحل أبو بكر ولا عمر ولا على ولا طلحة من أجل الهدى. ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين أحرموا بالحج اجعلوها عمرة، ترددوا وقالوا يا رسول الله فكيف نجعلها عمرة. فقال: انظروا ما آمركم به ثم بدا عليه الغضب من ترددهم حتى دخل على زوجه عائشة وهو غضبان فقالت: من أغضبك أغضبه الله؟ . فقال صلى الله عليه وسلم: وما لي لا أغضب وأنا آمر أمرًا فلا يتبع (3).
قال الإِمام ابن القيم في زاد المعاد: وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج إلى
(1) تاريخ الخميس ج 2 ص 149.
(2)
زاد المعاد ج 1 ص 457.
(3)
زاد المعاد ج 1 ص 476.