الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الحافظ البيهقي: وروينا عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشر -أو خمسة عشر-، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذّر ثلاثة أنهم قالوا: ما سمعنا المنادى ولا علمنا بما أراد.
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده. قال: حدثنا يزيد -هو ابن هارون- أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل. قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أمر مناديا فنادى أن رسول الله آخذ بالعقبة فلا يأخذها أحد، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقودها حذيفة ويسوقه عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عمارا وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة:(قدقد) حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوادي، فلما هبط ورجع عمار قال:(يا عمار عرفت القوم؟ ) قال: عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون. قال: (هل تدرى ما أرادوا؟ ) قال: الله ورسوله أعلم، قال:(أرادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه) قال: فسار عمار رجلا، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نشدتك الله كم كان أصحاب العقبة؟ قال: أربعة عشر رجلا، فقال: إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر، قال فعذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثلاثة، قالوا: ما سمعنا منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علمنا ما أراد القوم. فقال عمار: أشهد أن الاثنى عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (1).
المطالبة بإعدام المتآمرين:
وكان هؤلاء الباطنيون المتآمرون قد نجحوا جزئيا عندما شرعوا في مؤامرة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم تمكنوا من أن يزعجوا ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم بأساليبهم الخاصة في الظلام حتى نفرت فسقط
(1) البداية والنهاية ج 5 ص 19 - 20 - 21.
لهذا النفور من على ظهر الناقة بعض متاع رحله صلى الله عليه وسلم، ولكنه هو لم يسقط لأن أمر هؤلاء الخونة اكتشف قبل أن يتمكنوا من تحقيق هدفهم الخبيث، ونجى الله رسوله الحبيب صلى الله عليه وسلم من المؤامرة.
قال الواقدي: وكانوا قد أنفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم فسقط بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي يقول: فنور لي في أصابعى الخمس فأضئن حتى كنا نجمع ما سقط من السوط والحبل وأشباههما حتى ما بقى من المتاع شيء إلا جمعناه، وكان لحق النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة (1).
وقد بلغ خبر المؤامرة سيد الأوس أسيد بن حضير، فعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر بإعدام المتآمرين، على أن تتولى كل عشيرة من الأنصار إعدام الرجل المشترك منها في المؤامرة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم آثر الصفح ولم يأخذ باقتراح أسيد بن حضير.
قال أصحاب السير: فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أسيد بن حضير: يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادي، فهو أسهل من العقبة؟ قال: يا أبا يحيى أتدرى ما أراد البارحة المنافقون وما اهتموا به؟ قالوا: نتبعه في العقبة، فإذا أظلم الليل عليه قطعوا أنساع راحلتى ونخسوها حتى يطرحونى من راحلتى. فقال أسيد: يا رسول الله، فقد اجتمع الناس ونزلوا، فمر كل بطن أن يقتل الرجل الذي همّ بهذا، فيكون الرجل من عشيرته هو الذي يقتله، وإن أحببت، والذي بعثك بالحق، فنبّئنى بهم، فلا تبرح حتى آتيكم برؤوسهم، وإن كانوا في النبيت (2) فكفيتكهم، وأمرت سيد الخزرج فكفاك من في ناحيته، فإن مثل هؤلاء يتركون يا رسول الله؟ حتى متى نداهنهم وقد صاررا اليوم في القلة والذّلة، وضرب الإسلام بجرانه، فما يستبقى من هؤلاء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسيد: إني أكره أن يقول الناس: إن محمدًا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه، فقال: يا رسول الله، فهؤلاء
(1) مغازي الواقدي ج 1043.
(2)
النبيت هو عمرو بن مالك بن أوس. انظر أنساب الأشراف للبلاذرى ج 1 ص 287.