الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استشارة الرسول أصحابه في اجتياز الحدود إلى الشام:
ويذكر المؤرخون أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن وصل إلى تبوك، ولم يجد أي أثر للحشود الرومانية على الحدود (كما بلغه) جمع كبار قادة جيشه ومستشاريه وشرح لهم الوضع وشاورهم فيما إذا يرون أن يجتاز حدود الشام بجيشه أو يعود بالجيش إلى المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما زحف بهذا الجيش إلى تبوك لأنه بلغه أن عدوانًا مبيتًا تدبره الإمبراطورية الرومانية على الجزيرة العربية.
وفي هذا الاجتماع الذي دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم الفاروق عمر بن الخطاب فاقترح على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعود بالجيش إلى المدينة دون أن يتقدم لاختراق حدود الشام، وأيد عمر اقتراحه هذا بأن الحملة قد حددت أهدافها، وهي إرهاب العدو الذي لم تجرؤ أية قوات تابعة له على الظهور أمام المسلمين رغم أن للعدو في الشام من الرومان وحلفائهم العرب المتنصرة ما لا يقل عن ربع مليون محارب، والمسلمون إنما كانوا في تبوك بقيادة نبيهم ثلاثون ألف مقاتل فقط.
فقد قال أصحاب المغازي: وشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم في التقدم، فقال عمر بن الخطاب: إن كنت أمرت بالمسير فسر. قال رسول صلى الله عليه وسلم: لو أمرت به ما استشرتكم قال عمر: يا رسول الله، فإن للروم جموعًا كثيرة (يعني بالشام) وليس بها أحد من أهل الإِسلام، وقد دنوت منهم حيث ترى، وقد أفزعهم دنوك، فلو رجعت هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله عز وجل لك في ذلك أمرًا (1). وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة ابن الخطاب، فعاد بالجيش إلى المدينة دون أن يجتاز بجيشه الحدود إلى الشام.
المنافقون يحاولون اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم
-:
والعجيب الغريب في الأمر أن قوة الإِسلام بعد أن أخذت تتعاظم وأخذت جزيرة العرب - بعد نجاح غزوة تبوك وإسقاط مملكة الكنديين
(1) مغازي الواقدي ج 3 ص 1019.
بدومة الجندل في الشمال وتحدى الإمبراطورية الرومانية نفسها وأرهابها وإجبارها على التزام الهدوء بعد أن كانت تفكر في غزو الجزيرة - بعد كل هذه الإنجازات والانتصارات التي جعلت الإسلام (بكل معاني الكلمة) صاحب السلطان المطلق في الجزيرة العربية وأجزاء من الشام نفسها مثل أذرح وإيلات .. بعد كل هذه الانجازات والانتصارات أخذ نشاط الباطنيين من الرتل الخامس (المنافقين) يتعاظم ضد الإسلام وضد النبي صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، ولعل ذلك مرده الحسد الذي جعلهم يفقدون صوابهم.
فقد أخذ هؤلاء المنافقون يضاعفون من تآمرهم ويتحركون على صورة تحد واستفزاز أثناء التحرك إلى تبوك وبعد العودة منها، وبأسلوب لم يسبق له مثيل في نشاطاتهم التخريبية.
ففي غزوة تبوك بذل هؤلاء المنافقون محاولات يائسة فلجأوا (وكحركة مذبوح) إلى أعمال استفزازية ونشاطات تخريبية غلى كل الأصعدة لعلهم ينالون بها من وحدة الإِسلام الشامخة، ولعلهم يوصلون سوس الفرقة إلى صميم الأخوة الإِسلامية التي أقامها الإِسلام والتي لم تشهد جزيرة العرب لها مثيلاث تاريخها.
غير أن كل محاولات هؤلاء الباطنيين باءت بالفشل وتحطمت على صخرة الإِيمان الذي يتمتع به كل فرد من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الصادقين. ورغم انكشاف أمرهم للرسول القائد صلى الله عليه وسلم والقادر على إنزال أقسى العقوبات بهم فإنه لم يتخذ ضدهم أي إجراء، بل تركهم للأمة كى تحاسبهم بنفسها. فحاسبتهم فعلا أقسى حساب، حيث كانت عقوبتهم من الشعب المقت والنبذ والازدراء، "حتى تلاشوا - تلقائيا - بأحقادهم وضغائنهم، وشمخ الإِسلام رغم أنوفهم حتى امتد رواقه فشمل ما بين المشرق والمغرب ..
فقد رأينا (كما تقدم) في بداية غزوة تبوك كيف حاول رأس النفاق عبد الله بن أُبَيّ (وبأسلوب ماكر خبيث) أن يشطر الجيش الإِسلامي ويدخل الفوضى والاضطراب داخل وحداته قبل أن يغادر المدينة فخرج ذلك المنافق
في عسكر عظيم من أنصاره الذين يظهرون الإِسلام ويبطنون الكفر .. خرج بهم على أنهم جزء من الجيش النبوي الزاحف إلى تبوك، ولكن هذا المنافق لم يكد يصل بعسكره مشارف المدينة حتى انفصل بهم راجعا وهدفه إغراء بعض الوحدات من الجيش النبوي بالتمرد والسير على نهجه الخبيث كى تتفكك وحدة الجيش النبوي.
ولم يكتف ابن أُبَيّ بالفعل الخبيث الذي فعل، بل لجأ إلى القول الذي يحمل كل معاني الإرجاف وتوهين العزائم، فأعلن أن رجوعه بأصحابه وانفصاله عن الجيش النبوي لأنه بزعمه لا يريد أن يغامر بأصحابه مع محمد في معركة قال عنها (سلفا): إنها خاسرة لأن المسلمين بزعمه غير قادرين على مواجهة جيوش الإمبراطورية الرومانية. فقد قال عبد الله بن أبي - وهو يعود بأصحابه إلى المدينة -: (أيظن محمد قتال بني الأصفر لعبا كأني بأصحابه غدا مقرنين في الجبال)(1). وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم مقالة هذا المنافق وصنيعه فلم يأبه له ولم يتخذ ضده أي إجراء، بل واصل التحرك إلى تبوك حتى حققت الحملة كل أهدافها.
وبالرغم من أن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي قد رجع بأكثر أصحابه إلى المدينة دون أن يشتركوا في غزوة تبوك، فإن فريقا من هؤلاء المنافقين انخرط في سلك الجيش النبوي وحاول أثناء تحرك الجيش إلى تبوك أن يكون عامل توهين وتفريق وتشكيك بين وحدات هذا الجيش الضخم، إلا أنه فشل فشلا ذريعا، واستمر الجيش في وحدته وتماسكه حتى وصل تبوك وحتى حققت الحملة العظيمة أهدافها وعاد الجيش إلى المدينة رافع الرأس منتصرًا قد أرهب الروم وأدخل الرهب في نفوسهم وطهر (عسكريا) جميع الجيوب المناوئة للإِسلام في الشريط الشمالي للجزيرة العربية.
وفي العودة من تبوك ارتكب الباطنيون المنافقون المندسون في الجيش النبوي أكبر حماقة في تاريخ المتاعب التي كانوا يثيرونها ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حيث حاولوا هذه المرة ارتكاب أكبر جريمة في التاريخ وهي اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم بأسلوب جبان ماكر
(1) مغازي الواقدي ج 3 ص 995 - 996.